بث تجريبي

بدون إحراج ..  سيد أبو اليزيد يكتب: إرادة سياسية

من المؤكد أن مبادرة الزعيم عبدالله أوجلان للسلام والمجتمع الديمقراطي، وقرار حزب العمال الكردستاني حل نفسه والانتقال من الكفاح المسلح إلى السياسة الديمقراطية، وإحراق مجموعة صغيرة من مقاتلي الحزب أسلحتهم، يعطي فرصة تاريخية للجنة القانونية المشكلة من البرلمان التركي والمعروفة باسم “لجنة التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية” لحل القضية الكردية، والإسراع بخطوات من شأنها مناقشة كافة الترتيبات الخاصة بإنهاء النزاع الطويل في تركيا بين الكرد والدولة التركية. وكل ذلك يتطلب وجود تحول في العقلية والقرار السياسي والتوجهات السياسية داخل البرلمان، وتوافر رغبة حقيقية في الحل من الجانب التركي، حيث إن اللجنة لا تستطيع التحرك بمعزل عن الإرادة السياسية والوضع الأمني العام والسياق الإقليمي والدولي.

ومن المتصور أن تأخير العملية مسألة غير مقبولة، مع مراعاة تهيئة الظروف والبيئة التي تمكن الزعيم الكردي عبدالله أوجلان من أداء دوره بحرية وفاعلية، باعتباره المفاوض الأساسي ومهندس العملية، ولإحراز تقدم في مسار التحول الديمقراطي ومعالجة القضية الكردية في تركيا، مما سيمهد الطريق أمام الحل، خاصة مع تسريع وتيرة اللقاءات، حيث إن تأخير انعقاد اللقاء مؤشر على عدم الجدية في التعامل مع العملية.

وينبغي إدراك أن الزعيم الكردي عبدالله أوجلان اتخذ خطوات هامة جداً فيما يخص دمقرطة تركيا، حيث قام بخطوات لم يتوقعها أحد، وأحدث بذلك أملاً في مسار دمقرطة تركيا، حيث إن السيد أوجلان (آبو) يعد رئيس المفاوضين للجانب الكردي، وهو الطرف المعني مع حزب العمال الكردستاني بالقضية الكردية، وعدم تحقيق الديمقراطية يؤدي إلى الإخلال بحل القضية الكردية.

فضلاً عن أن جدية التعامل مع العملية مرتبطة بما إذا كانت اللقاءات مع السيد أوجلان ستزداد أم لا، مع أهمية تحسين ظروف عمل الزعيم أوجلان، واتخاذ الخطوات الملموسة من أجل حريته وتحقيق حق الأمل له. ومن هنا لا ينبغي أن تمتد هذه اللقاءات لفترة طويلة لتفادي المخاطر، نظراً لما تمر به منطقة الشرق الأوسط من عدم استقرار.

ومما لا شك فيه أن نضال الديمقراطية مستمر منذ عقود، كما أن النضال التحرري للشعب الكردي مستمر منذ 100 عام. ولا يمكن أن يكون هناك اندماج صحيح وحقيقي بدون سلام ومجتمع ديمقراطي، وهنا لا بد أن نعرف الفرق بين الاندماج الديمقراطي وعمليات الذوبان والصهر والإبادة، أو بين الدمج الطوعي والدمج القسري للدولة القومية.

ويتصور المراقبون أنه في ظل العقلية الحالية لحكومة حزب العدالة والتنمية لا تزال العملية السلمية تمر بخطر جسيم، لأنها تتصرف بشكل غير صادق أو بطريقة غير جدية، بل إنها تتصرف بشكل براغماتي وفقاً لمصالحها الخاصة، رغم أن العملية يتبناها قوى من الدولة العميقة التركية هذه المرة.

لذلك أتصور أن استمرار العمليات العسكرية والضغط على كل القوى الكردية لأجل التخلي عن السلاح يعقد العملية ومهمة اللجنة. لذلك المطلوب الإسراع بالمفاوضات السياسية والقانونية والتركيز على الأمور الجوهرية المتعلقة بالقضية والتحول الديمقراطي، وليس فقط السلاح. كما أنه من المهم أن يكون هناك تغيير في القوانين التي تمهد الطريق لعودة الكثير من الناشطين والسياسيين الكرد إلى تركيا والمشاركة في الحياة السياسية. ولا شك أن حل إشكالية السجناء المرضى لا بد أن يشكل أولوية عاجلة.

ولا شك أن أمام لجنة التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية جهداً مضنياً خلال الشهور القادمة قبل انتهاء عملها في نهاية العام الحالي، والمراقبون لها ينتظرون منها دوراً مركزياً في إطار الحل السياسي والحقوقي، مدركين أيضاً أن المسألة مرهونة بالإرادة السياسية وكذلك بالسياق الإقليمي والدولي.

ولأن اللجنة تتألف من أعضاء يمثلون مختلف الأحزاب السياسية داخل البرلمان، ويعبرون برأيهم عن طيف واسع من القوى السياسية التركية، فهذه نقطة إيجابية لمشاركة الجميع في الحل، لكنها يمكن أن تشكل تحدياً في ظل التركيبة السياسية المختلفة وأجندات الأحزاب السياسية.

ومن المأمول أن تتم مراجعة القوانين المقيدة للحقوق والحريات، بحيث تتوجه اللجنة نحو طرح الاقتراحات التي تسهم في إجراء تعديلات على بعض هذه القوانين، وخاصة قانون مكافحة الإرهاب الذي يستخدم في كثير من الأوقات ضد النشطاء والسياسيين الكرد.

وهناك تطلعات بتوجه اللجنة نحو مناقشة إعداد صياغة تشريعات جديدة تدعم الحقوق الثقافية والسياسية للكرد، والعمل على تعديل أو إلغاء قوانين تحرم التعبير عن الهوية الكردية أو حتى تمنع استخدام اللغة الكردية في الإعلام ومؤسسات التعليم.

ولأن اللجنة مكلفة بصياغة وتقديم مقترحات للإصلاحات القانونية والسياسية الضرورية، فإنه من المتصور ذهابها نحو إعداد تشريعات للمصالحة وتحقيق العدالة الانتقالية، بحيث تتحول لتكون جزءاً من عملية تشجيعية، ويتاح لها طرح آليات للعدالة الانتقالية كتعويض للمتضررين من الصراعات، فضلاً عن فتح ملفات انتهاكات حقوق الإنسان بمناطق الأغلبية الكردية.

أعتقد أنه من المهم ألا تغفل لجنة التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية مطالب القوى الكردية لتعزيز الإدارة المحلية أو الحكم الذاتي المحدود، وذلك من خلال تشريعات خاصة بالبلديات، والتخلي عن سياسة الوصي أو القيوم.

ومن المنتظر لهذه اللجنة أن تواصل أداءها بكل جدية لدفع العملية التفاوضية ومسار السلام إلى الأمام، بتعديل وتغيير ما هو معروف بأساليب التعذيب، ومواصلة تهيئة الأرضية القانونية وتجميد الأحكام، خاصة بعد التعاطي مع نداء السلام الذي طرحه المفكر والزعيم الكردي عبدالله أوجلان بإرادة سياسية واضحة، لبدء صفحة جديدة من الأخوة بين الكرد والأتراك. والكرة الآن في ملعب الإرادة السياسية التركية، وسوف ننتظر ما ستسفر وتكشف عنه الأيام القادمة في مسار جديد لأهم قضية في تركيا والمنطقة.

قد يهمك