يدور الحديث في الفترة الماضية عن إمكانية بدء مفاوضات إسرائيلية لبنانية لترسيم الحدود بين البلدين، وفي واقع الأمر يجب أن نشير إلى أن مبدأ التفاوض بين لبنان وإسرائيل ليس بجديد، لا سيما بعد القرار الصادر عام 2006 بإلزام إسرائيل ولبنان بالجلوس إلى مائدة المفاوضات بواسطة الأمم المتحدة.
تكمن الفكرة، عبر سنوات الصراع المختلفة، في طبيعة هيئة المفاوضات، إذ ترفض الحكومة اللبنانية الجلوس في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، معلّلة ذلك بأنه لا عهد لها، لا سيما أن الواقع أثبت صحة هذا التخوّف، فإسرائيل دائمًا ما تخرق الاتفاقيات التي يتم إبرامها، حتى في وجود وسيط، فماذا عن الوضع عند غيابه؟
لكن نظرًا للوضع الحالي، وتجاوز إسرائيل مرحلة الحرب على لبنان من ضرب المواقع العسكرية إلى استهداف المناطق المدنية، أصبحت فكرة التفاوض ضرورة مُلحّة، لما لها من تأثير قوي على الوضع الاقتصادي المتأزم في لبنان.
يُضاف إلى ذلك دخول الولايات المتحدة كشريك رئيسي في المفاوضات، وتأكيدها على ضرورة إعادة ترسيم الحدود، على الرغم من إشارة لبنان المستمرة إلى أن حدود الخط الأزرق معروفة منذ المفاوضات السابقة، وما على إسرائيل إلا الخروج من بعض الأراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلّها رغم ما جرى من ترسيم سابق للحدود.
وبشكل عام، يبدو أن مستقبل المنطقة، كما تراه الحكومة الأمريكية وتدفع إسرائيل نحوه، يتجه إلى تحقيق اتفاقيات بعيدة تمامًا عن استخدام الأسلحة، وهو ما بدا واضحًا بعد مؤتمر شرم الشيخ للسلام الأخير، الذي أُعلن خلاله، من قبل الرئيس ترامب وعدد من الرؤساء المشاركين، عن هذا التوجّه المستقبلي لأمن المنطقة.
ويبدو أن إسرائيل ستدخل مجبرة في مفاوضات ترسيم الحدود وتبتعد عن فكرة استخدام السلاح تمامًا رغم زعمها غير ذلك، لأن أمريكا لن تقبل بدخول إسرائيل في حروب أخرى في الوقت الراهن حفاظًا على مصالحها من جهة، وتأكيدًا على مبادئ تبنّي فكرة السلام التي أعلنها الرئيس ترامب.
وأعتقد أن الوضع يشبه تمامًا ما حدث بين إسرائيل ولبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية، حيث رفضت إسرائيل في البداية ولوّحت بالتدخل العسكري، لكن إصرار الحكومة الأمريكية أجبرها في النهاية على إبرام الاتفاق.