بدون شك، الاتفاق الذي تم التوصل إليه لضمّ قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى الجيش السوري في عهد الحكومة الانتقالية الحالية يمهّد لتحوّل جذري في مستقبل الصراع السوري، خاصة إذا ما ارتبط مستقبلاً بتهيئة الظروف الملائمة لإعداد دستور قادم يرتكز على ضمانات دستورية لحقوق الأقليات، بما فيها الاعتراف باللغة الكردية، حيث ستحقق هذه الخطوة رؤية استراتيجية لاحتواء المطالب المحلية ضمن الإطار الوطني.
لا يمكن إنكار أهمية الاتفاق الأخير مع قوات قسد باعتباره اعترافاً رسمياً بها كمكوّن شرعي من مكونات الدولة السورية، عقب مرور شهور طويلة من اعتبارها ميليشيا مدعومة من الخارج أو قوة لأمر واقع.
ولكن الأهم من كل ذلك أن هذا الضم يؤسس لمشاركة الكرد في صنع القرار السياسي السوري بعد مرحلة من التهميش، بما يعكس التغييرات الكبرى على خريطة النفوذ والسلطة داخل سوريا.
وربما التوجه بهذا الشكل يعطي الاتفاق للحكومة الانتقالية الحالية دفعة قوية في شرعيتها الوطنية والدولية، خاصة إذا ما استطاعت توحيد الأرض وتفادي تقسيم سوريا، فضلاً عن السيطرة على السلاح، وهو ما فشلت فيه حكومات سابقة، مما أدى إلى انتشار ظاهرة جيوش داخل الجيش، وترتب عليه أن سادت الفوضى والانقسام في الشارع نظراً لتعدد الميليشيات المسلحة.
وإنجاز التوصل إلى اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية يؤشر إلى مجموعة من الرسائل، لعل من أهمها رسالة ضمنية إلى تركيا بأن ملف الكرد في سوريا لم يعد ورقة خارجية، بل إنه شأن سوري داخلي، ورسالة للمجتمع الدولي بأن سوريا الجديدة قادرة على التفاوض، كما أنه يسهم في تقييد نفوذ دول كبرى، وقد تضطر قواتها إلى الانسحاب أو إعادة تموضعها.
كما أنه قد يقود إلى إعادة نظر تركيا تجاه قسد التي كانت ترفضها ككيان عسكري مستقل، وقد تواجه صعوبة في تبرير استمرار وجودها العسكري في الشمال بعد التطورات الأخيرة.
ومن الأهمية تعزيز وحدة القرار العسكري والأمني لمنع ازدواجية السيطرة، وكل ذلك من شأنه التوصل إلى تحقيق توازن قوى داخل الجيش بالتحاق الآلاف من مقاتلي قسد، ومعظمهم من الكرد ومعهم العشائر، بعد أن كان الجيش السوري متمركزاً ومعتمداً على طيف واحد لفترات طويلة.
ومن المؤكد أن هذا الضم، وليس عسكرياً فقط، يعتبر اعترافاً ضمنياً بأن الكرد جزء من النسيج السوري، مما يستلزم تمثيلهم في المؤسسات الرسمية بتهيئة البيئة القانونية والتشريعية لأداء دورهم ضمن سوريا الموحدة.
ولا يمكن التغاضي عن أن دمج قسد بالجيش السوري ووجود ممثلين لها في هيئة الأركان والعمليات قد يسهم في القضاء على داعش والميليشيات العشوائية المتطرفة والمسلحة، وقد تتراجع الحاجة إلى دعم قوى كبرى.
ولا يمكن إغفال أنه في إطار هذا التوجه من الاتفاق لا تزال هناك نقاط تخوّف أو اختلاف حول كيفية التنفيذ على الأرض، ومرحلة الدمج، والآليات، وجدول التنفيذ، وشكل اللامركزية أو الإدارة الذاتية، ومدى استمرار بنية قسد الحالية، وتشغيل المعابر والمطارات وحقول النفط، ومن يسيطر على القوات في الحسكة والرقة، وكيفية التعامل مع ملفات قديمة لإدارة سجون داعش.
أتصور أن بدء إنجاز الاتفاق ينطلق من تشكيل لجان تنفيذية مشتركة بين الطرفين لمتابعة التطبيق ومراقبة الانسحابات والتسليم التدريجي، وأن يتزامن الاتفاق مع التوجه سواء بتعديلات في الإعلان الدستوري أو الإسراع بإعداد الدستور الجديد لسوريا، بحيث يتناول ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية، ورفض التقسيم، ووجود جيش وحكومة موحّدة في سوريا الجديدة.