بث تجريبي

خاص/ المبادرة .. حازم العبيدي: العراق أمام "حرب مياه" صامتة وتركيا تبتز بغداد

في ظل أزمة الجفاف الخانقة التي تضرب العراق، وتصاعد الغضب الشعبي من استمرار التعنّت التركي في إطلاق الحصص المائية، أكد المحلل السياسي العراقي حازم العبيدي أن البلاد تواجه "حرب مياه صامتة" تهدد أمنها القومي والغذائي.

وفي حوار خاص لـ"المبادرة"، شدد المحلل السياسي على أن الدبلوماسية وحدها لا تكفي، وأن الحكومة مطالبة بتفعيل أوراق الضغط الاقتصادية والتجارية، وتحويل الملف إلى أولوية وطنية عليا. وفي هذا الحوار، يكشف العبيدي خفايا الملف المائي وتعقيداته السياسية، وأسباب الأزمة، ورؤيته للحل الذي يضمن للعراق حقوقه المائية والسيادية كاملة.

إلى نص الحوار:

*بداية، كيف تصف المشهد المائي الراهن في العراق بعد إعلان حالة الإنذار "هـ"؟

- يمكن القول إن العراق يعيش اليوم أسوأ أزمة مائية في تاريخه الحديث. إعلان حالة الإنذار "هـ" لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة تراكمات طويلة من سوء الإدارة، والتهاون في ملف استراتيجي يمسّ حياة كل مواطن. نحن نتحدث عن واقع خطير: مناسيب دجلة والفرات تراجعت إلى مستويات حرجة، الأراضي الزراعية تموت عطشاً، والثروة الحيوانية تتناقص يوماً بعد يوم. إنها أزمة وجود لا أزمة ظرف.

*ما الأسباب الجوهرية التي أوصلت العراق إلى هذه المرحلة من الجفاف؟

- هناك سببان رئيسيان؛ الأول خارجي يتمثل في السياسات المائية لتركيا وإيران اللتين أقامتا عشرات السدود على منابع الأنهار، ما قلص حصة العراق إلى أقل من النصف. تركيا، مثلاً، تنظر إلى المياه كأداة نفوذ جيوسياسي، وليست مورداً مشتركاً. أما السبب الثاني فهو داخلي، يرتبط بغياب رؤية استراتيجية لإدارة الموارد المائية داخل العراق نفسه، من ضعف البنية التحتية إلى الاعتماد المفرط على الزراعة التقليدية والهدر المائي الكبير.

*كيف تقيّم أداء الحكومة العراقية في مفاوضاتها مع تركيا خلال العام الجاري؟

- بصراحة، هناك محاولات جادة لكنها غير كافية. الاجتماعات التي عُقدت في 2025 كانت كثيرة، لكن معظمها لم يسفر عن نتائج ملموسة. تركيا وعدت كثيراً ولم تلتزم. التوصل إلى "مسودة اتفاق إطاري" أمر إيجابي، لكنه لا يعني أن المياه ستعود غداً. نحن بحاجة إلى مفاوضات قائمة على الندية والمصالح المتبادلة، لا على المجاملات السياسية أو التصريحات الدبلوماسية.

*البعض يرى أن العراق يفتقر إلى أوراق ضغط حقيقية على تركيا، هل تتفق مع هذا الرأي؟

- لا أتفق بالكامل. العراق يمتلك أوراق ضغط مهمة جداً، لكنه لا يستخدمها بفاعلية. يكفي أن نعلم أن حجم التبادل التجاري مع تركيا يتجاوز 46 مليار دولار سنوياً! هذه ورقة ضخمة يمكن استثمارها للضغط السياسي والاقتصادي. كذلك لدينا ملف الطاقة والنقل البري عبر العراق إلى الخليج، وهو ذو أهمية استراتيجية لأنقرة. المشكلة ليست في غياب الأدوات، بل في غياب الإرادة السياسية لاستخدامها.

*هل يمكن القول إن تركيا تمارس "ابتزازاً مائياً" ضد العراق؟

- نعم، بكل وضوح. أنقرة تتعامل مع ملف المياه من منطلق القوة. هي تعرف أن العراق يعيش أزمة داخلية سياسية واقتصادية، وتستخدم ذلك لتثبيت واقع جديد يجعل المياه ورقة تفاوض دائمة بيدها. هذه ليست شراكة عادلة، بل شكل من أشكال الابتزاز الجيوسياسي.

*وماذا عن الدور الإيراني في الأزمة؟

- لا يمكن تجاهله. إيران حولت مجاري عدة أنهار فرعية كانت تصب في دجلة والفاو، ما فاقم الجفاف في مناطق الجنوب. لكنها ليست بنفس تأثير تركيا التي تتحكم بمصدر النهرين الرئيسيين. ومع ذلك، على العراق أن يتعامل مع الطرفين بمنطق واحد: المصالح مقابل الحقوق.

*هل تعتقد أن الحل يمكن أن يكون إقليمياً أو دولياً؟

- الحل يجب أن يكون متعدد المسارات. على المستوى الإقليمي، يجب تعزيز التعاون مع الدول العربية التي تواجه أزمات مشابهة، مثل سوريا والأردن، لتشكيل جبهة ضغط مشتركة. أما دولياً، فينبغي تدويل الملف المائي العراقي عبر الأمم المتحدة والبنك الدولي واليونسكو، لضمان التزام تركيا بالاتفاقيات الدولية الخاصة بالأنهار العابرة للحدود.

*هناك من يقول إن الأزمة ليست فقط خارجية، بل إن سوء الإدارة الداخلية فاقمها. هل تتفق؟

- بالتأكيد. السياسات المائية في العراق تعاني من الترهل منذ عقود. لا توجد خطط حصاد مياه كافية، ولا بنية تحتية حديثة لإدارة السدود. كما أن شبكات الري متهالكة وتسبب هدراً كبيراً. هناك فجوة بين الخطاب السياسي والواقع التنفيذي. نحن بحاجة إلى ثورة في إدارة الموارد، تشمل تحديث شبكات الري، وتشجيع الزراعة الحديثة، وإطلاق حملات توعية لترشيد الاستهلاك.

*ما أثر هذه الأزمة على الأمن الغذائي والاقتصادي للعراق؟

- الأثر كارثي. العراق كان يوماً "بلاد الرافدين"، واليوم يستورد أكثر من 70% من غذائه. تراجع الإنتاج الزراعي أدى إلى ارتفاع الأسعار وزيادة البطالة في الأرياف، ما ولّد موجات نزوح داخلية جديدة. الجفاف لا يعني فقط نقص المياه، بل انهيار الاقتصاد الزراعي الذي يمثل ركناً أساسياً في الأمن الوطني.

*برأيك، ما الخطوة العاجلة التي يجب أن تتخذها الحكومة الآن؟

- يجب على الحكومة أن تعلن الملف المائي قضية أمن قومي. أولاً، تفعيل أدوات الضغط الاقتصادي على أنقرة، وربط العلاقات التجارية بإطلاق الحصص المائية. ثانياً، تشكيل غرفة عمليات دائمة تضم وزارات الخارجية والموارد المائية والزراعة والدفاع، لمتابعة التطورات الميدانية. ثالثاً، إطلاق حملة وطنية لترشيد المياه وتشجيع استخدام التقنيات الحديثة في الري.

*لكن أردوغان سبق وتحدث عن زيادة حصة العراق المائية، أليس ذلك خطوة إيجابية؟

- تصريح أردوغان بزيادة حصة العراق إلى 420 متراً مكعباً في الثانية خطوة إيجابية، لكنها مؤقتة، لا تضمن استدامة الموارد. تركيا غالباً ما تستخدم هذه الوعود لتخفيف الضغط الدولي ثم تعود إلى سياستها السابقة. المطلوب اتفاق ملزم وواضح بضمانات دولية.

*في ضوء هذه المعطيات، هل يمكن القول إن العراق مقبل على "حرب مياه"؟

- للأسف نعم، لكنها حرب صامتة. لا تُخاض بالسلاح بل بالعطش والاقتصاد والسياسة. وإذا لم يتحرك العراق بسرعة، فسنشهد خلال السنوات المقبلة تقلصاً خطيراً في الرقعة الزراعية وتراجعاً في الأمن الغذائي. الماء أصبح سلاحاً، ومن لا يمتلكه لا يملك قراره.

*أخيراً، ما رسالتك للحكومة والشعب العراقي في ظل هذه الأزمة؟

- رسالتي للحكومة: ضعوا هذا الملف فوق كل اعتبار، فالمياه ليست مجرد قضية خدماتية، بل قضية وجود وسيادة. وللشعب العراقي أقول: الوعي المائي واجب وطني. علينا جميعاً أن نغير عاداتنا في استهلاك المياه وأن نضغط باتجاه حلول دائمة. العراق ما يزال قادراً على حماية حقوقه، شرط أن يتوحد الموقف السياسي وتُدار الأزمة بعقل الدولة لا بعقل الحزب.

 

 

قد يهمك