بث تجريبي

خاص/ المبادرة .. د. محمد اليمني: قمة شرم الشيخ تؤكد مكانة مصر وتفتح باباً لشرق أوسط جديد

في لحظة وُصفت بأنها "تاريخية بكل المقاييس"، احتضنت مدينة شرم الشيخ المصرية مراسم توقيع اتفاق السلام الذي أنهى الحرب على غزة، بحضور أكثر من 31 دولة ومنظمة دولية، وبقيادة مشتركة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

الحدث لم يكن مجرد توقيع وثيقة، بل تحول إلى إعلان عن بداية جديدة للشرق الأوسط، كما وصفه قادة العالم. حول أبعاد هذا الاتفاق، ودلالاته السياسية والإقليمية، ومستقبله في ظل التحديات الراهنة، أجرى موقع المبادرة هذا الحوار مع الدكتور محمد اليمني، خبير العلاقات الدولية، الذي يضعنا أمام قراءة شاملة لما وراء مشهد "قمة شرم الشيخ للسلام".

نص الحوار:

*دكتور محمد، بدايةً.. كيف تقرأ المشهد العام لقمة شرم الشيخ للسلام من حيث التوقيت والمضمون؟

- في واقع الأمر التوقيت كان بالغ الحساسية، فالحرب على غزة استمرت شهورًا طويلة وأرهقت الإقليم بأكمله. القمة جاءت بعد جهود دبلوماسية غير مسبوقة من مصر والولايات المتحدة، ونجحت في جمع أطراف متباعدة حول مائدة واحدة. المضمون أيضًا كان استثنائيًا؛ لأن الاتفاق لم يقتصر على وقف إطلاق النار، بل رسم خريطة طريق لإعادة الإعمار وضمان تدفق المساعدات ووضع آلية لإدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب.

*وجود 31 دولة ومنظمة دولية في القمة، ماذا يعني من الناحية الدبلوماسية؟

- هذا الرقم غير مسبوق في تاريخ مؤتمرات الشرق الأوسط. وجود هذا العدد من الدول والمنظمات يعكس أمرين: أولًا، اعتراف المجتمع الدولي بالدور المركزي لمصر في صناعة السلام. وثانيًا، رغبة حقيقية من القوى الكبرى والإقليمية في ألا تنزلق المنطقة مجددًا إلى دوامة الحروب. الحضور الواسع منح الاتفاق "شرعية دولية" قوية، ستصعب على أي طرف مستقبلاً نقضه أو الالتفاف عليه.

*كيف تقيّم الدور المصري في هذا الاتفاق؟

- الدور المصري كان محورياً، ليس فقط في الوساطة، بل في صياغة رؤية متكاملة للسلام. مصر استثمرت خبرتها الطويلة في التفاوض مع كل الأطراف، واستطاعت أن تخلق توازنًا بين المطالب الفلسطينية والهواجس الإسرائيلية، وبين الرؤية الأمريكية والتوجهات الإقليمية. تصريحات الرئيس السيسي عكست فلسفة مصر الثابتة حين قال "كفى حربًا ومرحبًا بالسلام". هذه العبارة اختصرت الموقف المصري كله.

*والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كيف كان حضوره وتأثيره في القمة؟

- ترامب جاء إلى شرم الشيخ وهو يشعر أنه منتصر دبلوماسيًا بعد نجاحه في وقف الحرب بالتعاون مع مصر في المقام الأول وقطر وتركيا، وخطابه في الكنيست كان مدروسًا بدقة. في القمة، حرص على إظهار الشراكة مع القاهرة بشكل واضح، سواء من خلال كلمته أو منحه الثقة للرئيس السيسي لقيادة "مجلس السلام لإدارة غزة"، ومنحه "قلادة النيل"، بما حمل ذلك من دلالات تقديرًا لدوره من جهة، وتأكيد لتحالف استراتيجي من جهة أخرى.

*ما دلالة منح الرئيس السيسي لترامب "قلادة النيل"؟

- القلادة لا تُمنح إلا لمن يترك بصمة كبيرة في تاريخ مصر أو الإقليم، ومنحها لترامب هو تقدير رمزي لدوره في وقف الحرب وقيادة اتفاق السلام. لكنها أيضًا رسالة سياسية للعالم بأن الشراكة المصرية الأمريكية عادت لتكون حجر الزاوية في استقرار الشرق الأوسط، بعد فترة من الفتور والتباين في الرؤى.

*البعض يرى أن الاتفاق ربما يكون مؤقتًا.. هل تتفق مع هذا الرأي؟

- لا أعتقد أنه مؤقت، لكنه بطبيعة الحال كبداية لأي اتفاق سلام الأمر يكون مقلقًا. النجاح يتوقف على قدرة الأطراف الراعية على تنفيذ البنود عمليًا: تثبيت وقف النار، إدخال المساعدات، إطلاق الأسرى، وبدء الإعمار. إذا نجحت مصر والولايات المتحدة في ضمان ذلك، فسيصبح الاتفاق قاعدة لبناء سلام دائم. أما إذا تعثرت هذه الخطوات، فسيبقى مجرد هدنة طويلة الأمد.

*كيف تنظر إلى تصريحات السيسي وترامب بشأن وضع الشرق الأوسط؟

- الحديث عن شرق أوسط جديد بعد الاتفاق، هذه ليست مجرد عبارة سياسية، بل مشروع متكامل لتغيير واقع المنطقة. الحديث عن شرق أوسط خالٍ من الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل يعني أننا أمام رؤية لإعادة صياغة الأمن الإقليمي. مصر تريد شرقًا أوسطًا يعاد بناؤه بالسلام لا بالحروب، وترامب بدوره يسعى لتسجيل إنجاز تاريخي في السياسة الخارجية الأمريكية، وأعتقد أن القمة فتحت باباً لهذا الأمر.

*ما أبرز التحديات التي قد تواجه تنفيذ اتفاق شرم الشيخ؟

- هناك ثلاث تحديات رئيسية: أولاً، مدى التزام إسرائيل ببنود الاتفاق، خصوصًا فيما يتعلق برفع الحصار عن غزة. ثانيًا، ضرورة توحيد الصف الفلسطيني سياسيًا لضمان إدارة ناجحة للقطاع. وثالثًا، تدخل القوى الإقليمية التي قد لا ترى مصلحتها في استقرار دائم. مصر تدرك هذه التحديات، ولذلك بدأت بالفعل في التحضير لمؤتمر إعادة الإعمار كخطوة لتثبيت الواقع الجديد.

*في ضوء ما حدث، كيف ترى مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية؟

- العلاقات الآن تمر بمرحلة "إعادة بناء الثقة". التعاون في ملف غزة فتح صفحة جديدة بين القاهرة وواشنطن، قائمة على الاحترام والمصالح المتبادلة. أمريكا باتت تدرك أن لا استقرار في الشرق الأوسط بدون مصر، ومصر من جانبها وجدت في واشنطن شريكًا فاعلًا لا مجرد مراقب.

*أخيرًا، كيف ينعكس اتفاق شرم الشيخ على صورة مصر في العالم؟

- هذا الاتفاق رسّخ مكانة مصر كدولة قائدة في الدبلوماسية الإقليمية. لقد انتقلت القاهرة من دور الوسيط إلى صانع القرار، ومن إدارة الأزمات إلى صناعة الحلول. والعالم اليوم ينظر إلى شرم الشيخ ليس فقط كمدينة سلام، بل كرمز لقدرة مصر على جمع الخصوم وصناعة التوافق. هذا إنجاز سيبقى يُذكر طويلًا في التاريخ السياسي للمنطقة.

قد يهمك