صحيح أن السجن عقوبة ردعية وسيئة جداً وسالبة للحرية، لكنها لا تسلب الفكر. والمفكر عبدالله أوجلان، وهو في سجنه، أعاد ترتيب الأوراق، فكتب، وحلّل، واستشرف، وبنى أفكاراً جديدة، وهدم الأفكار القديمة، وشرح لماذا تم هدمها.
أتى أوجلان بأفكار جديدة وأقوى وتحليلاتها، وأوضح لماذا نحن سنقوم بها؟ ومن ذلك مفهوم الأمة الديمقراطية ككل. وقد أعطى تاريخية للصراع الكردي إنسانياً، ثم سياسياً، ثم فكرياً، وهذا كان له تأثيره على الجانب الاجتماعي؛ فالصراع الكردي لم يعد صراعاً سياسياً عسكرياً مباشراً، بل سيكون صراعاً اجتماعياً ثقافياً لإثبات الذات ولترتيب القدرة على الاندماج.
أي أننا نتحدث عن مفهومين: الأمة الديمقراطية والاندماج، حصول الاندماج في مجموعة كانت تعاني صراعات، وشرق أوسط كله صراعات. عامة الصراعات لا تقل في الشرق الأوسط؛ فنتحدث عن الشرق الأوسط الجديد وإسرائيل الكبرى، وكل هذه التغيرات الجيوسياسية الجديدة، والأجواء التي نعيشها، والمتغيرات اليومية، فكل يوم نرى إحداثيات جديدة، وأخباراً جديدة ومتسارعة، وبها تناقضات كبيرة، منها على سبيل المثال مؤخراً زيارة أحمد الشرع، الرئيس السوري الانتقالي، إلى روسيا، وهذا تناقض كبير.
لكن على كلٍّ نعود إلى الحديث عن تأثير أفكار المفكر عبدالله أوجلان، وكما قلت إن السجن صحيح كان عقوبة، لكنه كان فترة طويلة جداً لبناء المجتمع الكردي الديمقراطي، ولبناء فكره وتنظيمه. وكما يقول ابن رشد: إن الأفكار لها أجنحة، هم سجنوه بدنياً لكن أفكاره لا. لقد بنى فكراً متطوراً جداً استشرف المستقبل.
والآن على الكرد أن يتماشوا مع ما قاله أوجلان وما دعا إليه، وأن يطبقوه ويفهموه ويستوعبوه، وأن يكونوا كما نقول على قدر المسؤولية، وعلى قدر الوعي، وعلى قدر التفكير، وعلى قدر كبير جداً من الاستشرافية.
إن تجربة أوجلان كأنها تجربة نيلسون مانديلا؛ فقد دخلا السجن ولديهما أفكار مرتبطة بالمقاومة المسلحة، إلى أن وصلا إلى أنهما ضد العنف ومع السلام والاندماج، ومع قبول الآخر. وهذا يعني أن الشخصية العميقة لأوجلان مشبعة بالفكر والثقافة والتاريخ، وأنه قارئ جيد لما هو قادم.
ماذا تعني المؤامرة الدولية لاعتقال أوجلان لي؟ أقول إن السجن صحيح موجع، كان موجعاً بالنسبة لأوجلان كفرد، لكن به فائدة كبيرة لأمته. ذكرى المؤامرة تعني لي إعادة بناء مفاهيم كثيرة ستؤثر على الإنسانية. مفهوم الأمة الديمقراطية مفهوم أممي إنساني مهم وكبير جداً.
أنا دائماً أقول وأدعو الشعب الكردي ليس إلى تطبيق مفهوم الأمة الديمقراطية فقط، بل إلى أن يطوروا أنفسهم، وليس فقط استيعاب المفهوم، بل تطبيقه كذلك بصورة جيدة.