بث تجريبي

صدور كتاب ما بعد القومية والحداثة.. قراءة في المشروع الفكري لعبدالله أوجلان

صدر مؤخراً عن مركز آتون للدراسات كتاب بعنوان “ما بعد القومية والحداثة.. قراءة في المشروع الفكري لعبدالله أوجلان”، من تأليف الدكتور طه علي أحمد، الباحث والمحلل السياسي المصري المتخصص في قضايا الهوية والقوميات.

الكتاب يكتسب أهمية كونه يأتي بالتزامن مع النداء الذي أطلقه القائد عبدالله أوجلان من أجل السلام وبناء مجتمع ديمقراطي، وفي ظل الأزمات المتفاقمة التي تمر بها المنطقة نتيجة تبعات الدولة القومية المشوهة والحداثة الرأسمالية.

يُعد هذا الكتاب من أوائل الإصدارات العربية التي تتناول الفكر الأيديولوجي لأوجلان بهذا العمق، إذ يتجاوز التناول التقليدي الذي يحصر تجربته في الإطار الحزبي أو النضالي، ليقدّم قراءة تحليلية للمضامين الفلسفية والإنسانية التي يقوم عليها مشروعه. ويسعى المؤلف من خلال هذا العمل إلى إبراز رؤية أوجلان في إعادة تشكيل البُنى الاجتماعية والسياسية في المنطقة، في مواجهة تحديات الحداثة الرأسمالية ومآلاتها.

مضمون الكتاب

يتناول الكتاب بعمق أبعاد المشروع الفكري الذي يطرحه القائد عبدالله أوجلان، منطلقاً من الإطار الكردي المحلي نحو أفق إنساني كوني، حيث يحوّل محنته الشخصية إلى مشروع فلسفي سياسي يعيد من خلاله مساءلة مفاهيم الدولة والسلطة والحداثة والأمة. ويطرح أوجلان مفهوم “الأمة الديمقراطية” كبديل عن نموذج الدولة القومية، ساعياً إلى تحرير الإنسان والمجتمع من أنماط الهيمنة المركزية والتجانس القسري، عبر رؤية اجتماعية تعددية تقوم على المشاركة والعدالة والمساواة.

ويُبرز محتوى الكتاب أن رؤية أوجلان لا تقتصر على نقد الذهنية السلطوية، بل تهدف إلى تحرير الإنسان من البنى الفكرية التي تكرّس السيطرة والاختزال. ويقدّم المؤلف قراءة تحليلية معمّقة لهذا المشروع الذي يُعد محاولة جريئة لإعادة صياغة العلاقة بين الفرد والمجتمع والتاريخ. فالكتاب لا يقتصر على استعراض أفكار القائد، بل يشكّل دعوة صريحة إلى استشراف المستقبل برؤية نقدية، تنطلق من الإيمان بقوة التنوع الإنساني كركيزة للبناء، لا كمدخل للصراع.

ويتكون الكتاب من 5 أقسام موزعة على 14 فصلاً، حيث يتضمن القسم الأول 3 فصول، تحوي تأصيلاً للمشروع الفكري والمنهجي للقائد آبو، والخصوصية الأوجلانية في الفكر السياسي والاجتماعي، ونسق الحياة بين أوجلان والوضعيين، كما يقدم قراءة لمفهوم الحرية عند القائد في مواجهة أطروحات الحداثة الرأسمالية.

أما القسم الثاني الذي أتى تحت عنوان "الأمة والدولة والبدائل السياسية" فتضمن 3 فصول، سلطت الضوء حول مفهوم الأمة، وأهم مواضع التوازي بين أوجلان والحداثيين حوله، وهنا يتطرق إلى أطروحة الأمة الديمقراطية للقائد آبو كدليل للتعايش بين الشعوب، ثم يتطرق للحديث عن الدولة والمجتمع.

وجاء القسم الثالث تحت عنوان "التاريخ والسوسيولوجيا والنقد المعرفي" وتتضمن 3 فصول، تناولت فلسفة التاريخ بين أوجلان والمؤرخ البريطاني أرنولد توينبي أحد أشهر مؤرخي القرن العشرين، وسوسيولوجيا العشيرة بين أوجلان وابن خلدون، كما يقدم قراءة سوسيو - معرفية حول فلسفة المقاومة لدى القائد آبو.

والأوضاع في الشرق الأوسط كانت محوراً رئيسياً في الكتاب، لما لا والمشروع الأوجلاني وليد هذه المنطقة بكل ما فيها، وهنا أتى القسم الرابع من الكتاب والمكون من فصلين ليتناول أزمات الشرق الأوسط في فلسفة القائد، كما يتطرق إلى القضية الكردية كمدخل لفهم المشروع الفكري لأوجلان.

وتحت عنوان "الرأسمالية والمرأة والتغير الجذري" جاء القسم الخامس والأخير من الكتاب، والذي تتضمن 3 فصول، وسلط الضوء على كيف تجاوز القائد بفكره أزمة الاستغلال الرأسمالي، ثم يجري دراسة مقارنة بين فكر القائد في مواجهة كارس ماركس. ولا يمكن أن يغفل كتاب كهذا وضع المرأة في فكر أوجلان، حيث جاء الفصل الأخير منه تحت عنوان "من خطايا السلطوية إلى الجينولوجيا .. المرأة في فكر عبدالله أوجلان".

الحاجة إلى الفلسفة الأوجلانية

وفي تصريحات صحفية له، أكد الدكتور طه علي أحمد مؤلف الكتاب أنه يقدم قراءة معمقة لفلسفة المفكر عبدالله أوجلان، في إطار مقارن، بما يقدم كذلك من معالجات لقضايا المنطقة، منوهاً إلى أن الأمر لم يكن مجرد استعراض لأفكار وأطروحات، وإنما دراسة الهدف منها إيضاح الأسس المعرفية التي يقوم عليها الفكر الأوجلاني، خاصة أنه قدم فكراً يسائل الحداثة الرأسمالية من داخلها، ويعيد بناء المستقبل من خارجها، دون الوقوع في الانعزالية أو ما يمكن تسميته الرومانسية الثورية.

وأضاف أنا الظروف التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط تجعلنا في أمس الحاجة إلى إعادة قراءة فلسفة أوجلان؛ لا سيما أنها ارتكزت على نقد نموذج الدولة القومية، والحداثة الرأسمالية، وهما العاملين الرئيسيين في كل ما تعاني منها المنطقة من أزماتوإشكاليات، مشيراً إلى أن آبو لم يكتف بالنقد فقط، بل قدم رؤية بديلة صاغها من خلال مصطلح "الأمة الديمقراطية"، الذي يستند إلى تنوع الهويات وقوة المجتمعات والقدرة التنظيمية غير المركزية.

وتابع بالقول: "من ثم فإن آبو ليس مفكراً سياسياً، بل كما ذكرت في مقدمة الكتاب مؤسس لنسق بديل يتجاوز الحدود الضيقة للسياسة إلى أفق أوسع من إعادة بناء المجتمع والعالم والذات، كما أن مشروعه متفرد في كونه لا يتوقف عند حدود السياسة والاقتصاد، بل يهدف إلى بناء حضارة بديلة، قاعدتها الأخلاق، وعمادها المجتمع، ومحركها المرأة، وغايتها التحرر الإنساني الشامل".

وفي ختام تصريحاته، يقول الدكتور طه علي أحمد إنأوجلان كتب فكره وهو خاضع لعزلة في سجن إمرالي شديد الحراسة، وأن هذا الكتاب يأتي كجزء من ترجمة هذا الفكر نحو المجال العام، مشدداً على أن الكتاب لا يقدم أجوبة نهائية، بل دعوة للحوار والنقد والمسائلة والإيمان بأن الفكر لا يزال قادراً على التغيير، كما أن الكتاب يشكل دعوة للتفكير في مستقبل المجتمعات من موقع نقدي، وإعادة بناء مفرداتنا الفكرية من جديد.

قد يهمك