بث تجريبي

تمديد شرعية خلافة العثماني على الشرق.. ماذا عن لقاء ترامب وأردوغان؟

يعيش العالم حالياً حقبة معقدة على كافة الأصعدة مليئة بالتناقضات وازدواجية المعايير، حتى عقدت إسرائيل تحالف مع قبرص واليونان لتطويق تركيا، وذهب مؤخراً المحور اليهودي البيزنطي لفتح جبهة جديدة على تركيا وتلك المرة كانت في جزيرة كريت (ولنا معها وقفة مستقبلاً)، ولكن ذهب رجال حزب العدالة والتنمية التركي (الذي أسس في مختبرات الـ MI6 للإسلام السياسي كما قال نجم الدين أربكان) ليفتحوا كتاب منهج “الإسلام الأطلسي” من جديد، على أمل أن يتضح لهم الطريق.

وهو الكتاب الذي أنزله الناتو على أول إسلامي يفوز بقيادة تركيا منذ إسقاط الخلافة إلا وهو عدنان مندريس، وسار على نهجه حتى قبل إعدامه، كي تكون تركيا أول دولة تعترف بإسرائيل، وتقف بجانب بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في كل مواقفهم ضد مصر والجزائر وليبيا، حتى إن تركيا مندريس نددت بشدة ضد كل محاولات استقلال الجزائر من الاحتلال الفرنسي، وكانت أشد المؤيدين للعدوان الثلاثي على مصر…إلخ.

المهم بعد العودة لكتاب “الإسلام الأطلسي” طلب أردوغان زيارة سريعة للبيت الأبيض برغم معرفته بتكلفة تلك الزيارة وما قد يحدث جراء لسان ترامب الذي اعتاد ممارسة إهانة ضيوفه، وقد كان الأمر بعد أن ذكر ترامب أمام نظيره التركي قضية القس الأمريكي اندرو برونسون (الجاسوس) الذي أقسم أردوغان بأنه لن يغادر سجون تركيا طالما في جسده الروح، وبمجرد تغريدة على منصة تويتر حينها من ترامب أفرج عنه أردوغان، وهي أكثر القضايا المزعجة التي عندما يأتي ذكرها يرتعد لها كيان أردوغان سريعاً بسبب حجم غضب الداخل التركي وقتها من أردوغان.

ثم يقول ترامب “من دواعي سروري أن أكون بجانب أردوغان، نحن أصدقاء منذ مدة طويلة عندما كنت خارج السلطة بشكلٍ غير عادل، حيث اتضح أن الانتخابات كانت مزورة، وهو يعرف الانتخابات المزورة أكثر من أي شخص آخر (وهو يشير على أردوغان).

وكالعادة لم ينسَ ترامب سوريا التي يذكرها على لسانه كلما جاءت سيرة تركيا، عندما قال ترامب: “انسبوا الفضل لأنفسكم، لقد كنتم تحاولون السيطرة على سوريا منذ 2000 عام.. لقد سيطر أردوغان على سوريا، وهو لا يريد أن ينال الفضل… كان ذلك نصراً لتركيا”.

وهنا ذهب الخبراء ليقول بعضهم إن ترامب استهزأ بأردوغان، بينما مريدي الخليفة ذهبوا ليقولوا ترامب يمتدح الرئيس المؤمن، ولكن حقيقة الأمر أن التاجر دونالد ترامب كان يذكّر أردوغان أمام الجميع بما تحصلت عليه تركيا من مكاسب عند أي تدخّل أمريكي في المنطقة بدايةً بالغزو الأمريكي للعراق 2003، مروراً بتسليم غرب ليبيا لتركيا بعد تقسيمها 2017، وصولاً لإسقاط نظام بشار الأسد 2024 والاعتراف بعثمانية الشمال السوري. ويبدو أن أردوغان عاد من الولايات المتحدة بعد ذلك اللقاء بدعمٍ قوي وشرعية جديدة، بعد أن قدم أوراق اعتماده وخدماته للعم سام كما جرى الأمر في زيارة 2004 التي منح خلالها “وسام الشجاعة اليهودي” كي يكون المسلم الوحيد بل والغير يهودي الوحيد الذي تقلّد ذلك الوسام، وهو المشهد الذي على أثره يحكم أردوغان تركيا حتى اليوم، رغم النزعة العلمانية للجيش ومحاولة انقلاب منتصف تموز 2016.

وكان لجلوس أردوغان على كرسي القيادة بجوار ترامب على طاولة لقاء الرئيس الأمريكي بقادة الدول الإسلامية والعربية يوم 23 أيلول الماضي بنيويورك رسالةً واضحةً على استمرارية تدخّل الانجلوسكسون في شؤون المنطقة عبر البوابة العثمانية، وهو ما قد ألمح إليه توم باراك المبعوث الأمريكي للشام والسفير الأمريكي السابق لدى تركيا (ذو الأصول الشامية الذي سافر والده لبلاد أوروبا والعم سام عبر جواز سفر عثماني)، عندما قال في أكثر من مرة “لا يوجد شرق أوسط، بل هناك قبائل، عشائر، قرى، تأسست الدول القومية على يد بريطانيا وفرنسا عام 1916 بموجب معاهدة سايكس بيكو قالوا سنأخذ ما يُعرف بالإمبراطورية العثمانية، ونرسم خطوطاً مستقيمةً هناك ونُسميها دولاً قومية، لكن الأمر لا يسير على هذا النحو”. وهو تصريح صريح يكشف لنا كيف يتعامل الغرب مع شعوب تلك المنطقة الموبوءة، ينظرون للمنطقة على إنها مجرد قبائل وعصابات وليست دول، والخطير أيضاً في تصريحات توم باراك وهو عقل وعين ترامب على الشرق الأوسط بأن الإدارة الأمريكية الحالية لا تعترف حتى بحدود سايكس بيكو، وستذهب لتقسيم المقسم، وهو ما نراه على أرض الواقع وبكل وضوح في سوريا، كذلك لو أراد ترامب لوي ذراع بوتين فلن يكتب لواشنطن أي نجاح على موسكو إلا باستخدام تركيا أيضاً.

والسؤال الآن إن كان أردوغان هو أول من بشرنا بمصطلح “الشرق الأوسط الكبير” عام 2004 عقب عودته من الولايات المتحدة وإن تركيا ستكون مديرة ذلك المشروع في الإقليم، بعد ما قدمته تركيا من خدمات للولايات المتحدة في غزوها للعراق 2003، ثم ما تحصلت عليه بعد ذلك من مكاسب في كل بقعة عربية، فما الذي سيقدمه أردوغان اليوم وسيتحصل عليه غداً بعد الزيارة الأخيرة للولايات المتحدة؟

خاصةً في حالة التحشيد العسكري الأمريكي الرهيب الذي يتم الآن في ظل معطيات كثيرة تقول إن المواجهة ضد إيران اقتربت بشدة، وإن كتاب التاريخ سيسجل الجولة الماضية بـ “الحرب الإسرائيلية الإيرانية الأولى” وليس حرب الإثني عشر يوماً كما أطلق عليها الخبراء.

كما إن اعتراف الدول التي اخترعت لنا الكيان الصهيوني كبريطانيا وفرنسا بالدولة الفلسطينية على منصة الأمم المتحدة لن يكون مجاني، فضميرها لم يستيقظ فجاءة، وقد يكون مقابل ذلك الاعتراف ورسم حدود فلسطين على الخريطة هو محو حدود إيران منها.

.... نقلاً عن صحيفة روناهي

قد يهمك