تعاودنا ذكرى استشهاد جينا أميني، 16 سبتمبر 2025 ، حيث أحيا إيرانيون الذكرى الثالثة لوفاة الشابة " أميني"، التي قُتلت بعد تعرضها للتعذيب أثناء احتجازها من قبل "شرطة الأخلاق"، وأعادت هذه المناسبة إشعال موجة جديدة من الفعاليات السياسية والاجتماعية، حملت معها أصوات فنانات وناشطات وسياسيات من داخل وخارج إيران أكدن أن "انتفاضة المرأة، الحياة، الحرية" ما زالت مستمرة بعد ثلاث سنوات، فقضية قتل "جينا" لم تكن مجرد مأساة شخصية، بل كان "شرارة" فجّرت حركة تاريخية غيّرت موقع المرأة الإيرانية في المجتمع.، ولاتزال السلطات الإيرانية تتوعد وتتعقب انتفاضة النساء بالمرصاد وتضيق عليهن الخناق.
الاحتجاجات الأوسع في إيران
تعد الاحتجاجات التي اشتعلت بداية من 16 سبتمبر 2022 تحت شعار "المرأة، الحياة، الحرية"، وذلك على خلفية تسبب "شرطة الأخلاق " بطهران في قتل "أميني" بعد تعرضها للتعذيب على يد أفراد من "شرطة الأخلاق" بدعوى "عدم الالتزام بالحجاب الشرعي"، حيث بدأت شرارة هذه الاحتجاجات بمدينة سقز مسقط رأس جينا”، وامتدت لمدن أخرى على رأسها سنندج، ديواندره بانه وبيجار الواقِعة كلّها في محافظة كردستان، قبلَ أن تتوسَّع لتشملَ أغلب المدن الإيرانيّة بما في ذلك العاصِمة طهران ومدينة مشهد وأصفهان وكرمان وشيراز وتبريز ورشت وساري وكرج وأراك فضلًا عن مدينةِ عيلام والعديد من المدن الإيرانية الأخرى، ما أدى إلى أوسع موجة تمرد ضد النظام الإيراني منذ إنشائه عام 1979، وبحسب "منظمة حقوق الإنسان في إيران"، قُتل خلال هذه الاحتجاجات ما لا يقل عن 551 شخصًا بينهم 68 طفلًا، في حين اعتُقل الآلاف وتعرّض كثيرون لمحاكمات قاسية شملت أحكام إعدام وسجن طويل الأمد، ورغم محاولات النظام لإخماد هذه الحركة، ما زالت الذكرى السنوية لـ"جينا أميني" تعيد إحياء الوعي الشعبي وتؤكد أن قمع النساء أصبح جوهر الأزمة السياسية والاجتماعية في إيران.
السجال الإيراني - الأمريكي
أثار مقتل "جينا " سجالاً إيرانيًا أمريكيًا بشأن وضع حقوق الإنسان في إيران، حيث أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا بمناسبة ذكرى أحداث سبتمبر 2022 التي وقعت في إيران، في المقابل أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بيانًا جاء فيه: "ندين البيان الأمريكي المليء بالنفاق والوقاحة حول ذكرى أحداث سبتمبر 2022، ونعتبره تدخلاً عدائيًا وإجراميًا في الشؤون الداخلية لإيران، وأنه لا يوجد إيراني وطني يصدق مزاعم الصداقة من نظام تورط في انقلاب 1953، ودعم صدام في الحرب المفروضة، واستخدام السلاح الكيميائي، وإسقاط الطائرة المدنية عام 1988، وفرض العقوبات الجائرة، والتعاون مع إسرائيل في استهداف منشآتنا النووية وقتل علماءنا"، في إشارة إلى الولايات المتحدة، وأن "أمريكا، بصفتها أكبر داعم للكيان الصهيوني المحتل والقاتل الذي أباد أكثر من 65 ألف مدني خلال أقل من عامين، وبما أن العنصرية جزء من ثقافتها السياسية، لا تملك أي صلاحية للحديث عن حقوق الإنسان".
ويذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تدرس إقرار مشروع “قانون جينا أميني للمحاسبة الأمنية وحقوق الإنسان” الذي قدمه كل من: النائبين “جيم بانكس” الجمهوري ، و”أريك سوالويل” الديمقراطي، أواخر شهر يوليو 2023 إلى مجلس الشيوخ الأمريكي والذي حظي باهتمام واسع من الحزبين “الديمقراطي” و”الجمهوري” في مجلس الشيوخ، وقد انضم إلى المبادرة لمعاقبة المسؤولين الإيرانيين (68) من الجمهوريين، و(60) من الديمقراطيين، وقد لاقى هذا المشروع تأييدًا من قبل كلاً من: “الاتحاد الوطني للديمقراطية في إيران”، ومنظمة “متحدون ضد إيران النووية”، ولجنة الشؤون العامة الأمريكية – الإسرائيلية (أيباك)، إلا أنه لم يؤخذ ملف حقوق الإنسان في إيران على محمل الجد بالنسبة للولايات المتحدة والغرب عمومًا، وإنما يتم تسييسه و ربطه بالملف النووي الإيراني للمساومة والضغط على طهران.
إيران تحتل مركز متقدم في قتل النساء:
وهنا نجد أن حالة "جينا أميني" ليست الأولى ولا الأخيرة التي تعد مثالاً ونموذجًا صارخًا على قمع النساء الإيرانيات وانتهاك حقوقهن، بل إنه من الجدير بالذكر أن إيران تحتل المركز الأول في قتل النساء، والأعلى في كم أحكام الإعدام التي تصدر في حكم النساء، وما بالك لو كانت هؤلاء النسوة ينتمون لعرقيات أو مذاهب مغايرة للعرق الفارسي والمذهب الشيعي، فإن كم الاضطهاد يكون أعظم بالطبع، حيث بلغت أعداد الفتيات والنساء الإيرانيات اللواتي نفذ فيهن عقوبة الإعدام من قبل النظام الإيراني بحسب ما أفادت منظمة "حقوق الإنسان في إيران" غير الحكومية أن العقوبة نفذت بحق 31 إمرأة عام 2024، وهو الرقم الأعلى منذ البدء في توثيق أعداد ضحايا هذه العقوبة، في أواخر التسعينات من القرن العشرين، ومعظمهم وجهت لهن تهم المخدرات والقتل، حيث نفذت هذه العقوبة في ـ70% ممن تم إدانتهن بتهمة قتل الزوج أو الشريك في سياق العنف المنزلي الممارس ضدهن.
مابعد "أميني".. الاحتجاجات ضد النظام الإيراني:
ولم تنته الاحتجاجات الشعبية بشكل عام والاحتجاجات الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان وفي مقدمتها حقوق النساء، وفي مقدمتها احتجاجات حركة "المرأة، الحياة، الحرية" دائمة المطالبة بإصلاحات جوهرية من قبل السلطات الإيرانية منذ ثلاث سنوات، وهنا تتضافر عدة عوامل تساعد على بقاء الاحتجاجات الشعبية مشتعلة في إيران بين الحين والآخر، حتى يومنا هذا، وهي :
وبعد ثلاث سنوات من مقتل "جينا أميني" تصدر منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريرًا في 20 سبتمبر 2025 ويوضح أنه بعد هذه الفترة من الاحتجاجات الواسعة التي أشعلتها وفاتها في حجز شرطة الأخلاق، لم يتم تقديم أي مسؤول حكومي أو عنصر أمني إلى العدالة بتهمة ارتكاب انتهاكات واسعة النطاق، والتي تشمل القتل غير القانوني والاعتقال التعسفي والتعذيب والمحاكمات الجائرة، كما قام حرس النظام الإيراني وقوات الباسيج بترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب من خلال:
وبالتالي فإن السلطات الإيرانية استوحشت واستشرت في العنف ضد النساء والمواطنين المحتجين على ممارسة العنف ضد النساء، مما يستدعي تدخل المجتمع الدولي بشكل إيجابي، لصالح الاحتجاجات الشعبية، ولصالح الضحايا من النساء، والأقليات، وإن بقي الوضع الخاص بحقوق الإنسان في إيران على هذا المنوال فإن السيناريو المتوقع هو استمرار العنف والقمع في إيران ضد الأقليات والنساء، وستتكرر حالات الإعدام التعسفي، وسنجد كل يوم ضحايا من النساء يلقون نفس مصير "جينا أميني"، ولكن ثورة المرأة والحرية لن تتوقف وستستمر.
من زوايا العالم