أكدت الباحثة الاجتماعية كردة أحمد أن جرائم قتل النساء لا تُعدّ جزءًا من الثقافة الكردية الأصيلة، بل تمثل سلوكًا دخيلًا فُرض على المجتمع عبر تراكمات تاريخية وتشريعية خاطئة، محذّرة من أن المساس بقضية المرأة يعني تقويض أسس الاستقرار المجتمعي برمته.
ويأتي ذلك في ظل تفاقم ظاهرة العنف ضد النساء في إقليم كردستان، وسط صمت اجتماعي مقلق، حيث تحولت هذه الانتهاكات من حوادث فردية إلى أزمة إنسانية متصاعدة، مع تسجيل ارتفاع لافت في جرائم قتل النساء خلال الأشهر الماضية، ما يضع السلطات والمؤسسات الحقوقية أمام مسؤوليات متزايدة لاحتواء الظاهرة ووقف تداعياتها.
العنف ينعكس مباشرة على الأطفال
وفي حديثها، شددت كردة أحمد على أن العنف الممارس ضد النساء يخلّف آثارًا مباشرة وعميقة على الأطفال، موضحة أن العلاقة النفسية الوثيقة بين الأم والطفل تجعل الأخير أكثر عرضة للتأثر بنتائج العنف. وأضافت أن النساء غالبًا ما يكنّ ضحايا الحروب والعقلية الذكورية، الأمر الذي ينعكس سلبًا على بنية المجتمع وعلى أساليب التنشئة داخل الأسرة، خاصة في ظل وجود تمييز جندري في التربية ببعض البيئات الاجتماعية.
قتل النساء ليس من جوهر الثقافة الكردية
وأشارت الباحثة الاجتماعية إلى أن العنف ضد المرأة ظاهرة ممتدة عبر التاريخ، إلا أن قتل النساء بذريعة “الشرف” لا يمت بصلة إلى جوهر الثقافة الكردية، مؤكدة أنه سلوك مستورد تعزز خلال فترات تاريخية معينة، لاسيما مع تطبيق قانون الأحوال الشخصية العراقي بين عامي 1955 و1958، والذي أضفى آنذاك شرعية قانونية على هذه الجرائم، ما ساهم في ترسيخ ثقافة قسرية فُرضت على المجتمع.
اللجوء إلى المراكز المختصة… خط أحمر اجتماعي
وحول الصعوبات التي تواجه النساء الضحايا، أوضحت كردة أحمد أن لجوء المرأة إلى المراكز المختصة لا يتم إلا عندما يصل العنف إلى مستويات شديدة الخطورة، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تُعدّ “خطًا أحمر” داخل العائلات والعشائر، ما يدفع كثيرًا من النساء إلى الصمت والتضحية بأنفسهن. وأضافت أن حرية النساء لم تترسخ بعد، وأن المجتمع لا يزال يعيش حالة هشاشة في هذا الجانب.
وأكدت أن الثقافة الكردية الأصيلة لا تقوم على التمييز بين الجنسين، غير أن العقلية الإقصائية شوّهت هذه القيم، داعية إلى إعادة التربية على أسس التاريخ والثقافة الكردية بروح معاصرة، دون إنتاج أو تبرير أي شكل من أشكال التمييز الجندري.
قضية المرأة أساس الاستقرار المجتمعي
وفي ما يتعلق بسبل المعالجة، دعت كردة أحمد إلى نشر وعي مجتمعي شامل يعيد تعريف مكانة المرأة باعتبارها صاحبة حق في جسدها وفكرها وحياتها، وقادرة على اتخاذ القرار.
وأكدت أن أي انتهاك لقضية المرأة ينعكس بشكل مباشر على استقرار المجتمع وبنائه.
كما شددت على دور الأسرة والمؤسسات والحكومة في توفير الدعم النفسي والاجتماعي للنساء، لافتة إلى أن العقلية الذكورية متجذرة ليس فقط داخل العائلات، بل أيضًا في بعض مؤسسات الدولة.
ورأت أن التغيير الحقيقي يجب أن يبدأ من بنية الأسرة والزواج، عبر رفض التمييز الجندري، ونشر الوعي داخل البيوت، وإبراز قدرات النساء من خلال البرامج المجتمعية، وترسيخ مبدأ المساواة بين الجنسين.
ودعت في ختام حديثها منظمات المرأة إلى تكثيف جهودها في توعية النساء بحقوقهن وواجباتهن، والعمل على تمكينهن قانونيًا واجتماعيًا.
تشهد قضايا المرأة في إقليم كردستان نقاشًا متزايدًا في ظل تصاعد معدلات العنف الأسري وجرائم القتل، وسط مطالبات حقوقية بتشديد القوانين، وتفعيل آليات الحماية، وتغيير الخطاب المجتمعي السائد الذي يبرر الانتهاكات تحت مسميات اجتماعية أو عرفية.
أصداء المرأة