بث تجريبي

بدون إحراج .. سيد أبو اليزيد يكتب: خطة الإنقاذ

مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة والمستمرة منذ عامين ربما يعتبرها البعض الفرصة الأخيرة للوصول إلى سلام دائم لمنطقة الشرق الأوسط بحيث يتبعها ازدهار اقتصادي لها على مدى العشرين عامًا القادمة، في حين يتمّ النظر إلى المبادرة الأمريكية على أنها إنقاذ لإسرائيل استعدادًا لإعادة تأهيلها للانخراط مرة أخرى في اتفاقيات التطبيع. ومن هنا يمكن أن تستغل الدول العربية والإسلامية هذا التوجه لربطه بحل الدولتين وإعلان دولة فلسطين المستقلة على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.

من المؤكد أن المبادرة الأمريكية تتيح لإسرائيل الفرصة للتفرغ لإبرام اتفاقيات أمنية مع سوريا التي تعطي لها صك البقاء بالأراضي التي استولت عليها بعد سقوط الأسد، بالإضافة إلى الجولان من ناحية، وإلى تخفيف الضغط الدبلوماسي العالمي الذي تتعرض له بعد (طوفان) الاعترافات الدولية بدولة فلسطين غير المطروحة فعليًا على أرض الواقع حتى الآن.

ومن الأهمية، طالما أن المبادرة لم تذكر شيئًا عن إقامة دولة فلسطينية وأن الجيش الإسرائيلي المحتل سيبقى في الجزء الأكبر من غزة حتى يتمّ التوصل لاتفاق سلام، فإنه من المأمول أن تفوّت حماس والفصائل الفلسطينية الفرصة على نتنياهو للاستمرار في قتل أهل غزة، حيث إن الذي يدفع الثمن حتى الآن هم الأطفال والنساء والشيوخ، ولا توجد مقاومة في العالم يمكن أن تضحي بالشعب والأرض معًا.

أتصور أن المكاسب الراهنة من مبادرة ترامب تستند إلى وقف وإنهاء حرب إبادة أهل غزة والتخلي عن أوهام التهجير القسري لأهل غزة، وأتوقع أن تلعب مصر دورًا محوريًا وهامًا عند تنفيذ عدد كبير من مقترح الرئيس الأمريكي فور التوافق عليه، وبخاصة في مرحلة إعادة الإعمار وإعادة تأهيل البنية الأساسية بالقطاع، فضلًا عن دعم قوات شرطة فلسطينية مدرّبة في غزة.

وإذا كان المقترح الأمريكي يعتبر نقطة فاصلة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لأنه يجمع بين نقاط ترتبط بأوضاع واقعية على الأرض وبين تلبية الشروط الأساسية الواجب توافرها من أجل إحلال سلام شامل وعادل لمنطقة الشرق الأوسط، فمن المتصور اغتنام الجميع فرصة المقترح الأمريكي طالما أنه ينهي الحرب ويسمح بإنفاذ المساعدات الإنسانية لأهل غزة الصامدين الذين سطروا حروفًا من نور في التمسك بأرضهم ووطنهم، وهو ما يعدّ هزيمة مروعة لجيش الاحتلال غير الأخلاقي في قتل المواطنين العزّل وسقوط العشرات من الشهداء يوميًا من بينهم.

وترحيب الدول العربية والإسلامية بالمبادرة الأمريكية تمهيدًا لإطلاق مرحلة جديدة تنعم خلالها غزة بالسلام والأمن والإعمار مسألة في غاية الأهمية، لأنه لم يعد مقبولًا على الإطلاق استمرار الاعتداءات الإسرائيلية في غزة على ما هي عليه في ظل صمت عالمي!!

ربما نجد أنفسنا أمام تفاصيل إضافية للمقترح والمبادرة الأمريكية، وكلنا ندرك أن الشياطين تكمن في التفاصيل، وبخاصة ما يتعلق بالوصاية الدولية التي تقررها أمريكا دون سقف زمني، وانسحاب مفترض بلا جداول زمنية محددة، وتغييب متعمد للسلطة الفلسطينية.

لذلك من الأهمية توافر إرادة وطنية فلسطينية خلال المرحلة القادمة لتوحيد الجهود بموقف قوي وفعّال لكافة المكونات، سعيًا بكل إخلاص وجدية لتحقيق الطموحات المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في دولته المستقلة على ترابه الوطني. وبالتالي، من المستحسن توحيد الصف الفلسطيني كله تحت راية واحدة تمثل الإرادة الفلسطينية للشعب الفلسطيني كله.

وكلنا نأمل أن تدرك قيادات الفصائل الفلسطينية خطورة الانقسام واشتعال فتنة الخلافات وخطورة التفريط في أي فرصة متاحة لإقصاء الانقسام والتنحي به جانبًا، لضمان تحقيق المصالحة الشاملة لرأب التصدع والفرقة التي تمثل حالة ضعف للموقف الفلسطيني بشكل عام في مواجهة الاحتلال وممارساته.

والموقف الفلسطيني بحاجة إلى التحرك العاجل للمّ الشمل ووحدة الصف استجابة لطموحات الشعب الفلسطيني في التحرر وتقرير المصير وبناء دولته المستقلة ذات السيادة، خاصة وأن الأيام قد تقودنا إلى سيناريو للوصول إلى نوع من الحكم المشترك ولو بشكل مؤقت إذا ما أجريت تعديلات جزئية على المبادرة الأمريكية بحيث تتولى هذه المسألة حكومة تكنوقراطية وفصائل محلية، وربما تمنح بعض الفصائل المشاركة في الحكم المحلي بصلاحيات أمنية محدودة تحت إشراف دولي.

أعتقد أن أمام حماس فرصة تاريخية للتحول إلى حزب سياسي كبديل عن نزع السلاح، حيث لا تزال المناوشات والمناقشات تدور حول المأمول منها، خاصة ما يتعلق برؤيتها في حالة قبول المقترح والمبادرة الأمريكية، بما يعتبره البعض تنازلًا كبيرًا عن المقاومة.

قد يهمك