لا يمكن لمن يتتبع تاريخ المنطقة العربية والإقليم إلا أن يُقرَّ بـمكانة مصر الاستثنائية، فهي ليست مجرد دولة على الخريطة، بل هي “عمق حضاري“،وحصن منيع لطالما كان ملاذاً آمناً لكل من ضاقت به السبل. ومثلما يجري القول المأثور “من يشرب من النيل لا يخونها“، فإن هذا العمق يتجسد في قلوب الأشقاء الذين وجدوا فيها دائماً مرفأً للسلام والكرامة.
فمصر دائما كانت وستبقى كنانة الله ومُلتقى الأشقاء والحضن الدافىء لكل من افتقد حنان وعطف وطنه وبلده. وعلى مر العصور، لم تغلق مصر أبوابها في وجه من جار عليه الزمن أو ضربت بلاده الفوضى والاضطراب. إنها “القاهرة“ التي لطالما كانت وجهة الأمل الأولى لكل طالب أمان، من فلسطين إلى سوريا، ومن السودان إلى ليبيا واليمن. في السنوات الأخيرة، ومع تصاعد الأزمات في المنطقة، استقبلت مصر بكل رحابة صدر “ملايين الأشقاء“ الذين هربوا من ويلات الحرب والدمار. القاهرة التي يأتيها الباحثون عن الأمان من كل حدب وصوب ومن كل فجٍ عميق، و “يدخلوها آمنين”.
هنا يكمن الفرق الجوهري، مصر لم تعامل هؤلاء الأشقاء كـ”لاجئين” بملفات وقيود مخيمات، بل تعاملوا كـ “أصحاب بيت“، بل حتى أن المصريين لم ينظروا إليهم كضيوف حتى، بل “مواطنين“، حلّت عليهم المحن والغيوم السوداء والتي ستنقشع يوماً ما. وكان لهم كامل الحق في العيش الكريم، والاندماج في المجتمع، والحصول على الخدمات والتعليم والصحة. هذه المعاملة النبيلة تنبع من ثقافة متجذرة في الشعب المصري، تؤمن بأنه “تجمعنا وحدة مصير“، وأن مصر هي خيمة الجميع.
في الوقت الذي تحتضن فيه مصر الأشقاء بكل كرم، نجد أن هناك “أطرافاً محسوبة على تيار الإخوان والجماعات المتطرفة“، وخاصة في سوريا، مدفوعون من حثالة ممن يبغضون مصر وقيادتها ويحاولون النيل منها. وهذه الأطرافتحاول بشكل ممنهج وبائس النيل من قامة مصر وقيادتها وشعبها. إنها محاولات لا تُعبِّر إلا عن “حالة إفلاس سياسي وأخلاقي“ تعيشها هذه الجماعات التي فقدت بوصلتها ومكانتها في قلوب الشعوب. مصر كانت وستبقى البوصلة ومقياس أنسنة الإنسان. فمن يعشق مصر، يحترم نفسه. ومن يبغضها، فإنه لا يحب حتى نفسه وسيبقى ذيلاً خانعاً للآخرين.
إذ تحاول هذه الأطراف تشويه الدور الإنساني لمصر، وتستغل هذه الأطراف قضية الأشقاء المقيمين في مصر لتشويه الموقف المصري، محاولة قلب الحقائق وتحويل الكرم إلى عبء، متجاهلين أن هذا الكرم هو امتداد لتاريخ طويل من العطاء. وتعمل على التحريض ونشر الأكاذيب، وتوجيه الأقزام للتظاهر أمام سفارات مصر في العالم، وكان آخرها ما جرى في دمشق. حيث يعمدون إلى “نشر الإشاعات والأخبار الكاذبة“ عبر منصات التواصل الاجتماعي، بهدف إحداث الوقيعة بين الشعب المصري والأشقاء المقيمين، أو بين الشعب وقيادته. إنها أجندة قائمة على “الفوضى والتحريض“، ولا تجيد إلا الهدم والإنكار.
إنها الغيرة المريضة التي أصابت هذه الجماعات الفاشلة، ولا ترغب في أن ترى نجاح مصر في الحفاظ على استقرارها وأمنها، ودورها المتنامي كـقوة إقليمية رصينة، تسعى للسلام والتنمية، يثير حفيظة هذه الأطراف التي لطالما تغذت على الفوضى. هم لا يستطيعون رؤية دولة قوية مستقرة تعمل للبناء، ولذا يسعون بكل طاقتهم لتقويضها ولو بالكلمة المسمومة.
إن محاولات التهجم الخبيثة لا تعدو كونها “فقاعات صابون” لا تلبث أن تنفجر وتزول أمام “صخرة التاريخ المصري“ ومكانة مصر الراسخة في قلوب شعوب المنطقة. إن مصر، بشعبها العظيم وقيادتها الحكيمة التي أثبتت جدارتها في أصعب الظروف، ستظل “عمود الخيمة“ والقلب النابض لكل محب للحياة. وهذا ما يقوله التاريخ بأن “مصر باقية.. ومؤامراتهم زائلة“. ولكل من يقذف مصر بكلمات بذيئة، فليعلم أنه عليه أن يخلع النعال التي على لسانه بداية ويجثو ويطأطئ رأسه، حتى يتسنى له طلب المغفرة.
فنحن من ذاق من نيلها ونعشق مصر بكل سلبياتها، ولا نحترم كل من يسيء لمصر ولو امتلك إيجابيات الدنيا كلها. فلتستمر هذه الأصوات النشاز في صراخها، فصداها لن يصل إلا لمن فقد بوصلة العقل والإنصاف. أما الأشقاء وكل محبٍّ للخير والاستقرار، فـمصر ستبقى هي القبلة، وهي الملاذ، وستظل شامخة فوق كل محاولات التشويه الخبيثة التي لا تعبر إلا عن نتانة أجندات أصحابها الممسوخة.
ومصر أكبر من أن ترد على هذه الأقزام التي اغتربت عن هويتها وذاتها، والتي باتت غريبة تبحث لاهثة عمن يعلفها في اسطبلات السلاطين. وبكل تأكيد ما زال أحفاد الجيش الأول هناك، أحفاد الأيوبيين سيلقنون هذه الأقزام دروسهم ويعرفونهم على حقيقتهم القزمة، وهذا اليوم ليس ببعيد.
.... نقلاً عن موقع وكالة أنباء الحدث