في أعقاب الضربة العسكرية الإسرائيلية الجريئة التي استهدفت قياديين بارزين في حركة حماس على الأراضي القطرية، في انتهاك صارخ للسيادة ودلالة واضحة على التصعيد غير المسبوق، تتجه الأنظار اليوم نحو العاصمة الدوحة حيث تعقد قمة عربية إسلامية طارئة.
ولتحليل تداعيات هذا الحدث واستشراف مخرجات القمة، كان لنا هذا الحوار مع الأستاذ طارق البرديسي، الخبير في العلاقات الدولية.
*بدايةً، كيف تقرأ الرسالة الإسرائيلية من وراء تنفيذ الضربة في الدوحة تحديداً، وهل نحن أمام نقطة تحول نوعي؟
- شكراً لكم. الواضح أن الرسالة الإسرائيلية متعددة الطبقات ومتعمدة الإحراج. هي أولاً رسالة تدميرية لقيادة حماس، تؤكد أن إسرائيل تعمل بمنطق "الملاحقة أينما كانوا". ثانياً، وهي الأخطر، رسالة إلى قطر ودول الخليج والعالم بأن "القيود السابقة قد سقطت"، وأن السيادة الدولية لم تعد حاجزاً أمام ما تسميه "أمنها". ثالثاً، رسالة إلى الشعوب العربية بأن حكوماتها عاجزة عن الحماية أو الرد. هذا ليس مجرد تصعيد، بل هو تغيير لقواعد الاشتباك بشكل أحادي، مما يدفع المنطقة برمتها إلى منطقة مجهولة الخطورة.
*لكن قطر احتجت على ذلك عبر كثير من المنصات الدولية، فهل يكفي ذلك كرد على انتهاك السيادة؟
-الاحتجاج الدبلوماسي هو الخطوة الأولى الإلزامية والأدنى في سلم الردود. هو يحفظ الحق ويؤسس لموقف قانوني، لكنه في الظرف الحالي، وفي نظر الشعوب والخصم على حد سواء، يبدو غير كافٍ بل ومخيباً. السيادة إذا انتهكت بهذه الصفاقة، تكون الردود القانونية والدبلوماسية وحدها أقرب إلى قبول الأمر الواقع تحت ضغط التهديد. المطلوب هو رفع سقف الرد إلى مستوى التحدي.
*هذا يقودنا إلى القمة الطارئة في الدوحة اليوم . ما هي السيناريوهات المتوقعة لمخرجاتها؟
-القمة تواجه اختباراً وجودياً حقيقياً. السيناريو الأول، وهو "السيناريو المخيب"، هو أن تخرج ببيان إدانة شديد اللهجة، أو إعادة طرح مبادرة السلام العربية، دون أي إجراءات عملية ملموسة. هذا السيناريو سيكرس الشعور بالعجز. السيناريو الثاني، "السيناريو العملي"، وهو أن تتحول القمة إلى منصة لإعلان إجراءات عقابية جماعية، ولو تدريجية، مثل تجميد العلاقات أو فرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية واضحة، أو مراجعة كل أشكال التطبيع مع إسرائيل. السيناريو الثالث، وهو "السيناريو التصعيدي" والأقل احتمالاً، وهو الدعوة إلى إجراءات مثل مقاطعة شاملة أو استخدام أدوات ضغط جيوسياسي كالنفط أو التمويل، أو الدعوة لتحرك عسكري مشترك، وهو سيناريو تعقده الخلافات والمصالح المتشابكة.
*هل تعتقد أن الظروف مواتية لخروج القمة بإجماع عربي إسلامي حقيقي حول إجراءات عملية؟
- الإجماع الحقيقي صعب، ولكن الظرف الحالي قد يكون الأكثر ملاءمة منذ سنوات. انتهاك السيادة القطرية مسّ مباشر بكل دولة، فهو لم يعد قضية فلسطينية فقط، بل أصبح قضية وجود نظام إقليمي بأكمله. الدول التي لديها علاقات أو تطبيع مع إسرائيل تشعر بالخطر، لأن الضربة في الدوحة تقول لها: "أنتم لستم في مأمن". هذا الشعور المشترك بالتهديد قد يولد إرادة سياسية غير مسبوقة لتجاوز الخلافات الثانوية، لكنه لا يضمن الوصول إلى قرارات جذرية، فمصالح كل دولة وطبيعة علاقاتها بالغرب ستلعب دوراً حاسماً.
*ما هو الثمن الذي قد تدفعه الدول العربية والإسلامية إذا اقتصر ردها على البيانات فقط؟
- الثمن سيكون باهظاً جداً. أولاً، فقدان المصداقية المتبقية لدى الشعوب، واتساع هوة الشرخ بين الحكام والمحكومين. ثانياً، إرسال رسالة واضحة لإسرائيل وحلفائها بأن المنطقة "عاجزة" و"مقسمة"، مما يفتح الباب لمزيد من التصعيد والانتهاكات، قد تصل إلى ضربات في عواصم أخرى. ثالثاً، فقدان أي دور مؤثر في تحديد مستقبل الصراع، ليصبح الأمر رهناً بالإرادة الإسرائيلية والأمريكية فقط. باختصار، سيكون إعلاناً بانتهاء فاعلية النظام العربي الرسمي.
*وكيف تقرأ الموقف الغربي، خاصة الأمريكي، من هذه التطورات؟
- الموقف الأمريكي الرسمي حتى الآن متحفظ ويخفي ارتياحاً ضمنياً. هو يدين "انتهاك السيادة" شكلياً، لكنه لا يدين الفعل نفسه، بل يكرر حق إسرائيل في "الدفاع عن نفسها". هذا يكشف ازدواجية المعايير بشكل صارخ. الغرب يعتبر أن قواعد السيادة لا تنطبق بنفس القوة على الجميع عندما يتعلق الأمر بـ"إرهابييه" كما يصفهم. أي رد عربي إسلامي قوي سيواجه حتماً بحملة دبلوماسية غربية مكثفة للتهدئة وفرض التخوف من "زعزعة الاستقرار".
*هل يمكن أن تكون هذه الأزمة فرصة لإعادة تعريف الاستراتيجية العربية والإسلامية تجاه القضية الفلسطينية؟
- بالتأكيد. هذه ضربة wake-up call أو "ناقوس خطر". الاستراتيجية القديمة القائمة على الخطابات والشجب والتنديد قد انكشفت عورتها تماماً. الفرصة الآن هي للانتقال من الدفاع إلى الهجوم الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي. يجب أن تتحول القمة إلى لجان عمل فورية: لجنة قانونية لمقاضاة إسرائيل في كل المحافل الدولية، ولجنة اقتصادية لبحث أدوات المقاطعة الفعالة، ولجنة دبلوماسية لعزل الدبلوماسية الإسرائيلية عالمياً. القضية لم تعد تتعلق بغزة فقط، بل بسيادة كل دولة ومستقبل الأمن الجماعي في المنطقة.
*ما هي المعايير التي ستجعلنا نقول إن القمة نجحت أو فشلت؟
- المعيار ليس بلاغة البيان الختامي، بل طبيعة القرارات التنفيذية. النجاح سيكون بإعلان حزمة إجراءات فورية وملموسة وذات جدول زمني واضح، مثل: سحب السفراء من تل أبيب بشكل جماعي. تجميد أي علاقات أو مشاريع تطبيع قائمة أو مستقبلية. الدعوة لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن بطلب عربي إسلامي موحد لتمرير قرار يدين انتهاك السيادة. البدء في إجراءات قانونية دولية جماعية. مقاطعة اقتصادية استراتيجية تستهدف منتجات المستوطنات على الأقل. الفشل سيكون بالاكتفاء ببيان "شجاع" يندد ويطالب المجتمع الدولي بالتحرك، دون أي التزام ذاتي. اليوم هو يوم الحقيقة، وسيحكم التاريخ على من يقف فيه إلى جانب السيادة والكرامة، ومن يقف في الجانب الآخر.