أثارت تصريحات منسوبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الاعتراف بإقليم "أرض الصومال" التابع لجمهورية الصومال كدولة مستقلة، حالة من الجدل القانوني الدولي الواسع، باعتبار أن إسرائيل تُعد الدولة الوحيدة التي أقدمت على هذا الاعتراف، في خطوة وُصفت بأنها تمس قواعد أساسية في القانون الدولي العام.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور إبراهيم سيف منشاوي، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة، في تصريح لموقع "المبادرة"، أن مسألة الاعتراف الإسرائيلي بـ"أرض الصومال" تثير إشكاليات قانونية بالغة الحساسية في إطار القانون الدولي العام، لما تنطوي عليه من مساس مباشر بمبادئ أساسية تحكم النظام القانوني الدولي المعاصر، وفي مقدمتها مبدأ السلامة الإقليمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والالتزام بعدم الاعتراف بالأوضاع غير المشروعة "عقيدة ستميسون". وأوضح أن الاعتراف بالدول، وإن كان يعد من حيث الأصل عملًا سياديًا يخضع للسلطة التقديرية للدول، إلا أن هذه السلطة ليست مطلقة، بل تقيدها قواعد قانونية دولية، خاصة القواعد الآمرة التي تهدف إلى حماية الاستقرار الدولي ومنع تفكك الدول القائمة.
وأشار منشاوي إلى أن مبدأ السلامة الإقليمية يعد من القواعد الأساسية في ميثاق الأمم المتحدة، حيث تحظر المادة 2(4) استخدام القوة أو التهديد بها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة، كما أكد إعلان مبادئ القانون الدولي بشأن العلاقات الودية لعام 1970 على عدم جواز تشجيع أو دعم أي نشاط انفصالي يهدف إلى تقويض وحدة دولة ذات سيادة. ولفت إلى أن جمهورية الصومال دولة قائمة ومعترفًا بها دوليًا وعضوًا كامل العضوية في الأمم المتحدة، وهو ما يجعل "أرض الصومال" جزءًا لا يتجزأ من إقليمها وفقًا للقانون الدولي.
وأضاف أن إعلان انفصال "أرض الصومال" الصادر عام 1991 لم يتم في إطار دستوري وطني معترف به، ولم يحظ بموافقة الحكومة المركزية أو الجماعة الدولية، ومن ثم فإن أي اعتراف بهذا الكيان يمثل إضفاءً للمشروعية على انتهاك صريح لوحدة دولة قائمة، وهو ما يجعل الاعتراف الإسرائيلي مخالفًا لمبدأ السلامة الإقليمية.
وأكد أستاذ القانون الدولي أن هذا الاعتراف يترتب عليه مساس واضح بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو مبدأ راسخ في القانون الدولي العرفي وأكده قضاء محكمة العدل الدولية، ولا سيما في قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها عام 1986. وبيّن أن الاعتراف ليس مجرد إجراء شكلي أو محايد، بل يُعد عملًا سياسيًا وقانونيًا له أثر مباشر في موازين الشرعية الداخلية، إذ يقوض سلطة الحكومة المركزية ويدعم كيانًا انفصاليًا في نزاع ذي طابع داخلي، الأمر الذي يجعل الاعتراف الإسرائيلي بـ"أرض الصومال" قابلًا للتكييف بوصفه تدخلًا غير مشروع في الشؤون الداخلية لجمهورية الصومال، بما يتعارض مع التزامات إسرائيل الدولية.
كما أوضح أن عدم مشروعية الاعتراف تتجلى أيضًا في تعارضه مع الالتزام الدولي بعدم الاعتراف بالأوضاع غير المشروعة دوليًا، وهو التزام كرسته محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري بشأن ناميبيا عام 1971، وأكدته لجنة القانون الدولي في مشروعها حول مسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليًا لعام 2001، ولا سيما المادة (41)، التي تقضي بامتناع الدول عن الاعتراف بأي وضع نشأ نتيجة لانتهاك جسيم لقاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي.
وأشار منشاوي إلى أن هذا التكييف القانوني يتعزز في ضوء الموقف الدولي الجماعي، حيث ترفض الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي الاعتراف بـ"أرض الصومال"، خشية خلق سابقة انفصالية تهدد استقرار القارة الإفريقية والنظام الدولي برمته، مؤكدًا أن هذا الرفض يعني أن أي اعتراف منفرد، بما في ذلك الاعتراف الإسرائيلي، يظل تصرفًا معزولًا لا يترتب عليه أثر قانوني دولي، ولا يغير من الوضع القانوني للإقليم.
وختم أستاذ القانون الدولي تصريحاته بالتأكيد على أن الاعتراف الإسرائيلي بـ"أرض الصومال" لا يمكن اعتباره ممارسة مشروعة للسلطة التقديرية في مجال الاعتراف، بل يعد عملًا غير مشروع دوليًا لمخالفته قواعد قانونية دولية آمرة في القانون الدولي العام، وإخلاله بالتزامات عدم التدخل وعدم الاعتراف بالأوضاع غير المشروعة دوليًا.