في ضوء التطورات الأمنية التي شهدتها ولاية يالوفا شمال غربي تركيا، والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة وإصابة ثمانية من عناصر الأمن التركي خلال اشتباكات مع عناصر تنظيم داعش الإرهابي، تتجدد الأسئلة حول حصيلة السياسات التركية في التعامل مع التنظيمات الإرهابية خلال السنوات الماضية، ومدى انعكاسها اليوم على الأمن الداخلي للدولة التركية نفسها.
في هذا السياق، يرى طارق البرديسي، خبير العلاقات الدولية، أن ما يحدث داخل تركيا ليس حادثاً معزولاً أو طارئاً، بل يمثل نتيجة طبيعية لمسار طويل من السياسات الخاطئة التي انتهجتها أنقرة منذ اندلاع أزمات المنطقة، وعلى رأسها الأزمة السورية. فقد راهنت تركيا، وفق البرديسي، على توظيف التنظيمات المتطرفة كأدوات لتحقيق أهداف سياسية وجيوسياسية، ظنّاً منها أن تلك التنظيمات يمكن احتواؤها أو توجيهها، إلا أن هذه الرهانات انقلبت إلى تهديد مباشر للأمن القومي التركي.
التساهل في ضبط الحدود
ويؤكد البرديسي، في تصريح لموقع "المبادرة"، أن التساهل في ضبط الحدود، وغض الطرف عن حركة المقاتلين الأجانب، وتوفير مساحات للحركة والدعم اللوجستي لبعض الجماعات المتطرفة، أسهم في ترسيخ بنية إرهابية عابرة للحدود، لم تعد تقف عند حدود الدول المستهدفة، بل عادت لتضرب الداخل التركي نفسه. كما أن احتضان جماعات مثل الإخوان والارتباطات غير المباشرة بتنظيمات كداعش والقاعدة، أوجد بيئة فكرية وتنظيمية خصبة للتطرف داخل المجتمع التركي.
ويضيف أن التدخلات التركية في شؤون دول وشعوب المنطقة، تحت شعارات سياسية وأمنية مختلفة، لم تفضِ إلى استقرار أو نفوذ مستدام، بل ساهمت في استنزاف الداخل التركي اقتصاديًا وأمنيًا، وأضعفت ثقة المواطنين في قدرة الدولة على حمايتهم من تداعيات تلك السياسات.
ويختتم البرديسي بالتأكيد على أن حادثة يالوفا تمثل رسالة إنذار جديدة لأنقرة، مفادها أن استمرار التعامل البراغماتي مع التنظيمات المتطرفة لن ينتج سوى مزيد من الفوضى والدماء، وأن إعادة النظر في السياسات الإقليمية باتت ضرورة ملحّة لحماية الأمن الداخلي التركي قبل أي اعتبارات أخرى.