بث تجريبي

عبدالرحمن ربوع يكتب: الإيكونومست لا تكذب ولا تتجمل

اختارت مجلة الإيكونومست البريطانية سوريا "دولة العام 2025" مناصفةً مع الأرجنتين، معتبرةً أن عملية الانتقال السياسي التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد سارت "بشكل أفضل من المتوقع"، على الرغم من أنها، وفق تقرير المجلة، لا تزال محفوفةً بعدم استقرار داخلي عميق و"تمرد يلوح في الأفق".

تطرق تقرير الإيكونومست إلى ثلاثة مواضيع رئيسية، هي وصول أحمد الشرع إلى سدة الحكم والرئاسة، والتوترات الطائفية ومخاوف الأقليات، والفواعل الاقتصادية والدولية. ورغم الآلية غير المفهومة وغير المنطقية لتأسيس الحكومة الانتقالية، فإن التقرير لم يعلق على الآلية بقدر ما ركز على النتائج التي تمخضت عنها.

كما ركز التقرير "مطولًا" على التوترات الطائفية، وما نتج عنها من مجازر وشروخ مجتمعية تهدد وحدة سوريا وسيادة حكومتها على كامل ترابها. وفتح الباب على كل الاحتمالات في ظل هذه الحكومة التي لا يمكن التنبؤ بمستقبلها، لأنها عرضة لتحولات جذرية في أي لحظة قد تنفجر فيها الأوضاع وتخرج عن السيطرة. أيضًا لفتت الإيكونومست إلى الفواعل والديناميات الاقتصادية والدولية، والفرص التي أتيحت للحكومة الانتقالية، وأن المجتمعين الدولي والإقليمي يريدان بالفعل منح هذه الحكومة الفرصة كاملة للعبور بسوريا إلى بر الأمان والاستقرار.

وفي معرض الحديث عن حكم وحكومة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وصفته الإيكونومست بالبراغماتية الدبلوماسية، وأنه "دبلوماسي" نجح في استمالة الغرب، وحصل على تخفيف للعقوبات، بل أصبح "أفضل صديق جديد لدونالد ترامب". لكنها ركزت أيضًا على إخفاقات الحكم، وأنه على الرغم من النجاحات الخارجية، فإن الرئيس الشرع يتعرض لانتقادات داخلية وخارجية بسبب إنشاء هياكل حكم موازية، وفشله حتى الآن في إعادة بناء المؤسسات الرسمية.

كذلك أشارت المجلة إلى مخاوف المحسوبية، وإلى القلق من قراراته بتسليم العديد من الإدارات الحيوية لرفاق جهاديين، أو أشقاء ومقرّبين على حساب المشاركة الوطنية والكفاءة العملية والنزاهة الوظيفية. واستشهدت بمنح إدارة الجمارك ـ المصدر الرئيسي لإيرادات الحكومة ـ إلى رفيق جهادي سابق، وفصلها عن وزارة المالية.

وحول التوترات الطائفية ومخاوف الأقليات، أشارت الإيكونومست إلى المستقبل الغامض للأقليات عمومًا في سوريا. ولفتت إلى أن أحد أبرز المواضيع المتكررة حالة القلق و"عدم الاطمئنان" التي يعيشها العلويون والدروز والمسيحيون، الذين لا يزالون متشككين في دولة يهيمن عليها السنة ويقودها جهادي سابق. كما تم ربط القوات الموالية للحكومة بمذابح "مروعة" ضد العلويين في آذار 2025، والدروز في تموز 2025، مما يشير إلى أن البلاد شيئًا فشيئًا "تخرج عن السيطرة". وحذر تقرير الإيكونومست من أن العلويين المقربين من النظام السابق يشعرون باستياء متزايد، مما يزيد من خطر اندلاع تمرد واسع النطاق ضد القيادة الجديدة في أي وقت.

ولم يُغفل التقرير الكارثة الاقتصادية التي لا تزال سوريا تعاني منها، والتي تسببت بها عقود من سوء الإدارة والفساد والعقوبات. وفيما اعتبر التقرير أن رفع العقوبات عن سوريا قد يبدو "جنونيًا" مع هذه الإدارة، فإنه لفت إلى أن سوريا بحاجة إلى فترة راحة لمنع تحولها إلى دولة فاشلة طاردة لشعبها ومهددة لمحيطها الإقليمي.

كذلك لفت التقرير إلى المصالح الإسرائيلية والتركية المتداخلة والمتضاربة في سوريا، والصراع بين الطرفين على تقاسم النفوذ والسيطرة، وشرح بالتفصيل كيف استغلت تل أبيب وأنقرة حالة الفوضى في سوريا؛ حيث فرضت إسرائيل واقعًا جديدًا على الأرض باستيلائها على عشرات الكيلومترات المربعة جنوب غرب البلاد، ووصولها إلى نقاط استراتيجية كقمة جبل الشيخ. كما سعت تركيا إلى توسيع نفوذها وزيادة عدد قواتها، وعقدت عزمها على إنشاء قواعد عسكرية دائمة في قلب الجغرافيا السورية.

إنه تقييم بارز لسوريا وأوضاعها السياسية والاقتصادية في نهاية العام، الذي يتزامن مع نهاية العام الأول للحكومة الانتقالية، فيأتي كتقييم محايد ومتخصص للفترة السابقة، مشيرًا إلى "تحديات الفوضى" التي تهدد استقرار وسلام سوريا وكل المنطقة مع كل طلعة شمس. كما ينبه إلى التحديات الهائلة التي يجب أخذها بالحسبان وعدم تجاهلها، فيما الأعين والآذان مفتوحة بانتظار إتمام أو إنهاء اتفاق العاشر من آذار، بحيث يُسدل الستار على مرحلة قلقة أو تُفتح صفحة جديدة من الصراع. لا أحد يستطيع الجزم!

عبد الرحمن ربوع

قد يهمك