بث تجريبي

معنى الاندماج الديمقراطي

إنّ الاندماج الديمقراطي هو مصطلح يُطرح في مواجهة المفهوم القانوني والسياسي لـ"الاندماج" كما بلورته الحداثة الرأسمالية، التي أصرت على توظيف هذا المفهوم أداةً لصهر المجتمعات وإخضاعها ضمن بنيتها المهيمنة.

يُشير مصطلح الاندماج، من حيث التعريف، إلى عملية دمج عناصر أو مكونات مختلفة بعضها ببعض. ورغم أنّ معناه الأصلي لا يتضمن الإذعان أو الانصهار القسري، فإنّ النظام الرأسمالي حوّله إلى عمليةٍ لابتلاع الضعيف من قبل القوي، بحيث يتلاشى الأول داخل الثاني. وهكذا أصرّ النظام الرأسمالي على استخدام المصطلح بمعنى إذابة الاختلافات داخل بوتقته الخاصة، الأمر الذي جعل سماع كلمة "الاندماج" يثير القلق والريبة.

المصطلح مأخوذ من الكلمة الفرنسية integration التي تعني “الاتحاد” أو “التوحّد عبر الانضمام المتبادل”، أي أنه يدل على التلاقي بين أطراف مختلفة لتكوين كيانٍ مشترك. أما ما يُروَّج له أحياناً من عبارات مثل “الانصهار” أو “الذوبان في المجتمع الجديد” فهو في حقيقته إساءة استخدامٍ للمفهوم، نابعة من نيةٍ لفرض التماثل لا لتحقيق العيش المشترك.

إنّ مفهومي الانصهار والاندماج يختلفان جوهرياً:
فالانصهار يقوم على فرض التوحّد القسري على مجتمعٍ ما، وفرض ثقافةٍ واحدة باعتبارها النموذج المرجعي، وجعل الآخرين تابعين لها. أما الاندماج، فيقوم على تعايش الأفراد والمجتمعات المنتمية إلى ثقافات متعددة في إطارٍ مشترك يحافظ على خصوصياتهم دون أن يُلغيها.

وفي عالم اليوم، حيث تلاشت الحدود وتزايدت أسباب التنقّل القسري (من حروب واضطهاد وأزمات اقتصادية)، أصبح مفهوما الدمج والاندماج سياسيَّين بامتياز. فإذا ما استُخدما في سياقٍ صحيح، يمكن أن يشكلا نقطة انطلاق لبناء التشاركية في ظل شروط هذا العالم الجديد.
فالاندماج الحقيقي يعني التكيّف المتبادل بين المجتمع القادم والمجتمع المضيف، وتأسيس حياةٍ مشتركة تحترم الثقافات الأصلية ولا تذيبها.

لكنّ الحداثة الرأسمالية حوّلت قوانين الاندماج إلى أدوات للانصهار والإخضاع، تُستخدم لفرض الثقافة السائدة على المهاجرين، وتجريدهم من هوياتهم الأصلية. وتحوّلت بذلك المجتمعات المهاجرة إلى كيانات منغلقة على نفسها، وهي نتيجة يرغب فيها النظام الرأسمالي، لأنّ عزل المجتمعات يجعل السيطرة عليها أسهل. في المقابل، فإنّ العيش المشترك الحقيقي يقود إلى تنظيم حياةٍ أكثر حرية وتشاركية.

تُدرك الدول القومية أنّ الاندماج الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الإرادة الحرة والشعور بالمسؤولية المتبادلة، لا عبر الإكراه. ولكنها، مع ذلك، توظّف القوانين لخدمة مصالحها عبر تحريف المفاهيم عن معناها الأصلي، كما يقول لينين: “إنّ الرأسمالية تغيّر كلّ ما هو صحيح بما يخدم مصالحها، وتبيع حتى ما تعتبره صائباً.”

قوانين الاندماج والاندماج الديمقراطي

لقد سعت الحداثة الرأسمالية، بعد أن تسببت في حروبٍ ونزوحٍ واسع، إلى استخدام قوانين الاندماج كوسيلةٍ جديدةٍ للهيمنة. فأُجبر المهاجرون على التكيّف وفق شروط المجتمعات المستضيفة لا وفق منطق التفاعل المتبادل، مما حوّلهم إلى أدواتٍ مطيعة ضمن النظام القائم.
وفي مناطق مثل الشرق الأوسط، خصوصاً في فلسطين وسوريا وكردستان، يُخيَّر الناس بين الخضوع أو مواجهة القمع أو العودة إلى مناطق الحرب والموت. وهكذا يُعاد إنتاج السيطرة بأشكالٍ مختلفة.

في المقابل، يقوم الاندماج الديمقراطي على رؤيةٍ مغايرة تماماً، إذ يُفترض أن يكون مشروعاً إنسانياً–اجتماعياً قائماً على العيش المشترك الطوعي، والتكافؤ، والتنوّع الثقافي. إنه دعوة إلى إعادة تعريف العلاقة بين المجتمعات والأفراد على أساسٍ تشاركي، لا استيعابي.

معايير الاندماج الديمقراطي

- الاندماج الديمقراطي لا يمكن تركه لتقدير الدول القومية، لأنه يمثّل خطوةً أساسية لبناء مجتمعٍ حرٍّ ومتعدّد.
- ولذلك، ينبغي أن تستند قوانينه إلى المبادئ التالية:

- الاعتماد على نهجٍ قائم على حقوق الإنسان بوصفه مرجعية أساسية.

- التوافق على القيم المشتركة كأساس للتفاعل المتبادل.

- حماية الهوية الدينية والثقافية والاجتماعية للأفراد والمجتمعات في مواجهة محاولات الانصهار.

- ضمان تكافؤ الفرص بحيث لا تهيمن مجموعة على أخرى.

- تحقيق التشاركية في الحياة اليومية ومنع التمييز والتهميش داخل المجتمع.

- تطبيق قوانين الاندماج بسرعة وشفافية لتفادي استغلالها من قبل القوى المهيمنة.

- إلغاء السياسات التمييزية التي تميّز بين المجموعات داخل الدولة القومية.

وعندما يُدرك الأفراد أنهم جزءٌ متكامل من المجتمع الذي يعيشون فيه دون تمييز، تبدأ أولى خطوات العيش المشترك الحرّ.
وكما يقول القائد آبو، فإنّ التشاركية والعيش المشترك بحرية تمثلان الجواب على أهم سؤال للثورة: “كيف يجب أن نعيش؟”

قد يهمك