لقد مثّلت انعقاد قمة شرم الشيخ للسلام برئاسةٍ مشتركة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبمشاركة قادة أكثر من عشرين دولة من مختلف أنحاء العالم، لحظةً سياسية فارقة وميلاد بارقة أمل أكدت أن القاهرة ما زالت تمسك بخيوط التوازن في قضايا المنطقة، وأنها قادرة على الجمع بين الواقعية الدبلوماسية والموقف المبدئي في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
ومن هنا، يمكن النظر إلى قمة شرم الشيخ باعتبارها اختبارًا حقيقيًا لفرص التموضع العربي الجديد في عالمٍ مضطرب، وإشارة إلى بدايةٍ محتملة لمسارٍ سياسيٍّ مختلفٍ يعيد الترابط الإنساني والأمل في تحقيق سلامٍ عادلٍ وشامل.
ولا شك أن القمة، وفي ضوء رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتحقيق السلام في المنطقة، وضمن الجهود الحثيثة للرئيس عبد الفتاح السيسي، فتحت صفحةً جديدة لترسيخ الدور المصري كـ ركيزةٍ للاستقرار وركنٍ أساسي في بناء التوازن الإقليمي.
أولاً: بين التهدئة والمسار السياسي – الرؤية العربية والمبادرة المصرية
تجلّت في قمة شرم الشيخ مقاربةٌ مصريةٌ متوازنةٌ تقوم على ركيزتين أساسيتين: وقف العدوان وحماية المدنيين من جهة، وإحياء المسار السياسي من جهة أخرى.
إن التهدئة ليست غايةً في ذاتها، بل مدخلٌ ضروريٌّ لإحياء عملية السلام وإطلاق حلٍّ سياسيٍّ شامل، وهذا ما أكدته القمة بكل وضوح.
هذا الطرح يعكس المنهج المصري الثابت في التعامل مع الصراعات الإقليمية، والذي يجمع بين الحزم في حماية الأمن القومي والمرونة في إدارة التوازنات والعلاقات الدولية.
ومن خلال قيادة الرئيس السيسي، استطاعت القاهرة أن تؤكد مرةً أخرى موقعها القيادي في ملف الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، وأن تطرح مبادرةً متكاملةً تربط بين وقف النار واستئناف العملية السياسية على أسس الشرعية الدولية.
ثانياً: حلّ الدولتين.. بين الفرصة وإدارة الأزمة
رغم أن حل الدولتين ظلّ حاضرًا في الخطاب الدولي منذ عقود، فإن قمة شرم الشيخ أعادت التأكيد عليه كـ خيارٍ استراتيجيٍّ لا بديل عنه.
وبجهودٍ مصريةٍ واضحة، وبدعمٍ عربيٍ منسق، طُرحت في القمة رؤيةٌ لتفعيل هذا الحل عبر آليةٍ دوليةٍ جديدة تُلزم الأطراف المعنية بـ جدولٍ زمنيٍّ واضح، وتضع ضماناتٍ أمريكيةً وعربيةً لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.
وقد حذّرت القمة من أن أي تسويةٍ لا تقوم على إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلةٍ على حدود 1967 ستبقى سلامًا هشًا لا يصمد أمام اختبارات الواقع.
وهكذا، حملت القمة فرصةً سياسيةً حقيقية لإعادة بناء الثقة في مسار السلام، شريطة أن تُترجم مخرجاتها إلى خطواتٍ ملموسةٍ لا تكتفي بإدارة الأزمة.
ثالثاً: المصالحة الفلسطينية.. رهان القاهرة المستمر
منذ أكثر من عقدٍ ونصف، تقود مصر جهودًا حثيثةً لرأب الصدع الفلسطيني الداخلي بين القوى الفلسطينية، وعلى رأسها فتح وحماس.
وقد أكدت قمة شرم الشيخ مجددًا أن القاهرة هي الساحة الطبيعية لأي حوار فلسطيني–فلسطيني، وأنها الطرف الأكثر قبولًا وقدرةً على تحقيق التقارب.
إن وحدة الصف الفلسطيني ليست ترفًا سياسيًا، بل شرطًا أساسيًا لأي تسويةٍ مستدامة.
وتعمل مصر حاليًا على إطلاق مسار مصالحةٍ جديدٍ برعايةٍ مباشرة، يهدف إلى توحيد المؤسسات الفلسطينية وبناء شراكةٍ وطنيةٍ قادرةٍ على التفاوض باسم الشعب الفلسطيني بكامل مكوناته.
فالقاهرة تبذل مجهودًا كبيرًا وتخلق بيئةً من الثقة والحوار العقلاني، مستندةً إلى خبرتها الطويلة ومكانتها كـ ضامنٍ للسلام.
رابعاً: التموضع العربي في عالمٍ متغيّر – الدور المصري كجسر توازن
انعقاد القمة في هذا التوقيت جاء في ظل تحولاتٍ كبرى في النظام الدولي، مع احتدام المنافسة بين واشنطن وموسكو وبكين.
وفي هذا السياق، أثبتت مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي قدرتها على الحفاظ على علاقاتٍ متوازنة مع جميع القوى العالمية، بما يتيح لها أداء دور الوسيط الإقليمي الموثوق.
القاهرة لم تكتفِ بأن تكون موقعًا جغرافيًا لانعقاد القمة، بل أصبحت جسرًا سياسيًا ودبلوماسيًا يربط الشرق بالغرب والعرب بالعالم.
ويؤكد هذا التموضع المصري المتزن أن المنطقة بحاجةٍ إلى سياسة توازنٍ متعددة المحاور، تحافظ على المصالح الوطنية وتمنع الانجرار وراء الاستقطابات الدولية.
إن الدور المصري في قمة شرم الشيخ يعكس رؤية القيادة المصرية لبناء شرق أوسط أكثر استقرارًا وانفتاحًا وتعاونًا، في ظل عالمٍ يُعاد تشكيله، حيث تتقاطع المصالح وتتشابك التحديات.
خاتمة
لقد كانت قمة شرم الشيخ للسلام حدثًا دوليًا بامتياز، أكدت ثقل مصر الدولة والشعب والجغرافية والقيادة وموقعها القيادي على الساحة الإقليمية، وأثبت أن الدبلوماسية المصرية قادرة على الجمع بين المبادئ والواقعية لتحقيق السلام والاستقرار.
فبقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تحركت القاهرة وعبر مؤسساتها المعنية بخطى واثقة لتثبيت التهدئة في غزة، وإحياء المسار السياسي، ودعم المصالحة الفلسطينية، وبلورة رؤيةٍ عربيةٍ للتعامل مع التحولات الدولية.
وبالشراكة مع الرئيس دونالد ترامب، اكتسبت القمة زخمًا دوليًا غير مسبوق، عزّز فرص العودة إلى طاولة المفاوضات وضمان نجاح مخرجات القمة.
ورغم أن الطريق نحو السلام العادل والشامل لا يزال طويلًا، فإن إرادة القاهرة ورؤيتها المتوازنة تفتحان أفقًا جديدًا لإعادة التموضع العربي، وتحقيق توازنٍ استراتيجيٍّ يُعيد للمنطقة مكانتها ودورها في صناعة المستقبل وتحقيق الأمن والاستقرار والسلام والتنمية.
===========
نقلاً عن مجلة الوطن العربي