مخاوف المراقبين الدوليين من العملية الانتخابية غير المكتملة، باللجوء إلى التصويت غير المباشر لتشكيل أول برلمان بعد الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد، قد تدفع إلى اتهامها بأنها عملية شكلية، مما قد يعرضها لرفض الاعتراف بها من جانب الدول والمنظمات التي تشترط ضرورة إجراء انتخابات حرة ونزيهة، أو تدفعها للتعامل مع البرلمان السوري الجديد بحذر شديد، خاصة وأن العملية الانتخابية غير الشاملة لم تُجرَ وفق إطار القرار 2254 للأمم المتحدة، بما يؤدي إلى إضعاف جهود التوصل إلى حلول سياسية شاملة، في ظل غياب مشاركة واسعة من الشعب السوري، سواء بسبب النزوح أو القطيعة السياسية.
فضلًا عن إجراء الانتخابات في مناطق السيطرة الحكومية فقط، بعد استبعاد مناطق شمال وشرق سوريا ومناطق شمال غربها، بشكل يساهم في تعميق حالة الانقسام الجغرافي والسياسي، بالإضافة إلى التمثيل الضعيف جدًا للمرأة السورية، والذي يُقدّر بنحو 4% فقط من النواب المنتخبين.
والإعلان عن أسماء الفائزين في برلمان سوريا الجديد بواقع 119 نائبًا من أصل المقاعد التي يُفترض انتخابها، والتي تصل إلى 140 مقعدًا، حيث يظل وجود 21 مقعدًا خاليًا في محافظات الرقة والحسكة والسويداء، نظرًا لعدم إجراء الانتخابات بها لاعتبارات أمنية وسياسية، بالإضافة إلى التمثيل الطائفي الضعيف للأقليات، يشكل فرصة مواتية للمعارضة والمراقبين الدوليين للتشكيك في التمثيل الحقيقي للمجتمع السوري، مما يقلل من شرعية البرلمان الجديد داخليًا وخارجيًا.
ومن المؤكد أن الفراغ الشاغر لمقاعد ممثلي المناطق التي لم تُجرَ فيها انتخابات قد تستغله القوى السياسية والعسكرية بتلك المناطق لتعزيز مطالبها بالاستقلال عن القرار المركزي، أو اللجوء للشكوى من التهميش.
كما أن قدرة الرئيس الانتقالي المؤقت على تعيين 70 نائبًا تمنحه ورقة ضغط وسيطرة كبيرة، خاصة لو اختار عددًا كبيرًا من الموالين له، وهو المتوقع، أو من الفئات التي تريد السلطة ضمان ولائها. وتأكيدات اللجنة العليا للانتخابات على أن المهلة المخصصة للطعون انتهت بسرعة الرياح دون تقديم اعتراضات، وبذلك اعتُبرت النتائج النهائية للإعلان عن الفائزين قد تمت وفقًا للإطار القانوني المعلن.
ربما قد تعتبرها بعض القوى ترسيخًا لإقرار مجلس برلمان ذي طابع شكلي، لمساندة القرارات والتوجهات التي يراها الرئيس الانتقالي المؤقت أو السلطة التنفيذية. وربما تشير ردود الفعل إلى مزيج من الترحيب بوجود عملية سياسية من ناحية، وخيبة أمل من تمثيل محدود وعدم مشاركة فعالة من قطاعات واسعة ومهمة من ناحية أخرى، في ظل مشهد سياسي معقد ونزاع مستمر وانقسام سياسي وجغرافي في البلاد، وهذا من شأنه ربما أن يتسبب في فقدان شرعية البرلمان في عيون السوريين أنفسهم، خاصة لو ارتبط ذلك بإجراء انتخابات في ظل ظروف غير نزيهة أو غير مكتملة، مما سيعمق من ضعف مؤسسات الدولة.
وكل ما نخشاه هو استمرار فقدان الثقة بالعملية السياسية في حالة غياب التوافق الوطني، مما قد يؤدي إلى عزوف المواطنين السوريين عن المشاركة السياسية، وتعزيز إحباطهم وإصابتهم باليأس العام بشكل قد يؤثر على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
ومن الأهمية إدراك أن الاستغلال الداخلي الذي يرتكز على دعم الهيمنة السياسية في استخدام الانتخابات كأداة لإعادة تدوير النخبة الحاكمة وتأكيد السيطرة على البرلمان، يؤدي إلى تقويض أي فرصة لتمثيل حقيقي أو تغيير في ميزان القوى داخل النظام ذاته، وبدوره سوف يسهم في تأجيج الاستقطاب السياسي والطائفي، نظرًا لأن طبيعة القوائم الانتخابية وتوزيع المقاعد قد تسهم في تعزيز الاستقطاب الإثني أو الطائفي إذا لم يتم البناء على أسس تمثيل وطني شفاف.
بالتأكيد، الهدف من هذه الانتخابات التي أُجريت خلال الأسبوع الحالي هو إضفاء نوع من الشرعية المهمة للبرلمان، بحيث يمارس دوره الرسمي التشريعي بصورة تُضفي مظهرًا من الاستقرار على السلطة الانتقالية. ولذلك سيكون أمامه مجموعة من التحديات والاختبارات الحقيقية لإصدار القوانين المتعلقة بالخدمات العامة وإعادة الإعمار والاقتصاد، وستكون قدرة النواب على بناء توازن بين احتياجات السلطة التنفيذية وطلبات السوريين مؤشرًا على فعالية البرلمان، وقد تظهر صراعات بين بعض النواب الذين يمثلون مصالح محلية مع السلطة الراغبة في تنفيذ سياسات مركزية.
ينبغي إدراك أن الدول التي تدعم العملية الانتقالية قد تستخدم النتائج لتعزيز التواصل أو تقديم المساعدات بشروط معززة للموافقة على المؤسسات الجديدة، فضلًا عن أن بروز نواب من أوجه غير تقليدية قد يُحدث حركة داخل البرلمان بين الموالين والمستقلين، وقد تُشكّل جماعات ضغط صغيرة وربما تعبّر عن رأيها في القرار العربي والوطني الذي تم إقراره من الرئيس المؤقت بشأن إلغاء إجازة الاحتفال بنصر أكتوبر ويوم الشهداء، لإرضاء دول إقليمية تتنازع على الفوز بنفوذ المنطقة.
من زوايا العالم