نشر المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، تقريراً حديثاً سلط فيه الضوء على تنظيم الإخوان في ألمانيا وكافة نشاطاته والكيانات التابعة له وأهم قياداته، مرجحاً أن يستمر تصاعد الضغوط الأمنية على جماعة الإخوان في ألمانيا خلال السنوات القادمة، مع تزايد المخاوف الأوروبية من ظاهرة الإسلام السياسي وارتباطها بالتطرف غير المباشر. ولفت التقرير إلى أن هيئة حماية الدستور (BfV) تضع أنشطة الإخوان تحت المراقبة الدائمة، وتعتبر الجماعة تهديدا طويل المدى للنظام الديمقراطي، ليس من خلال العنف المباشر، بل عبر السعي لتغيير البنية المجتمعية تدريجيا.
وحسب التقرير، الذي نشر عبر النسخة العربية لموقع المركز، فإن الإخوان في ألمانيا يشكلون حالة خاصة داخل المشهد الأوروبي، فهم من أكثر التنظيمات الإسلامية حضورا وتأثيرا في الساحة الألمانية منذ منتصف القرن العشرين، حيث نجحوا في بناء شبكات واسعة من المؤسسات التعليمية والثقافية والدينية التي عملت تحت غطاء قانوني ظاهري، لكنها في الواقع كانت تمثل امتدادا للتنظيم العالمي للجماعة.
وأوضح أن هذه الشبكات «أتاحت للإخوان أن يقدموا أنفسهم كفاعل اجتماعي وخيري، بينما كانت الأجهزة الأمنية في ألمانيا تنظر إليهم كتنظيم يسعى إلى التأثير في بنية المجتمع والدولة بأساليب غير مباشرة، ويستغل النظام الديمقراطي لتوسيع نفوذه». وذكر أن قيادات الإخوان في ألمانيا تعد مفتاحا لفهم طبيعة عمل الجماعة، إذ إن الكثير منهم يشغل مناصب علنية في جمعيات ومراكز إسلامية، لكن أدوارهم الحقيقية تتجاوز تلك المواقع الرسمية. وعلى سبيل المثال، إبراهيم الزيات يُعتبر من أبرز هذه الشخصيات، وهو المعروف بأنه مهندس الشبكات الإسلامية في أوروبا، إذ تولى مناصب متعددة في منظمات شبابية ودينية وأشرف على مؤسسات تعليمية وخيرية لها امتداد عابر للحدود.
وفق التقرير، فإن الزيات رغم ظهوره بمظهر الناشط القانوني، فإن اسمه ارتبط دائما بدور مركزي في تعزيز نفوذ الإخوان داخل ألمانيا وخارجها. كما أشار أنه إلى جانبه يظهر حمد طه صبري الذي يتولى إمامة مسجد السلام في برلين ويدير المركز الثقافي للحوار، إضافة إلى خضر عبد المعطي الذي يُعد من الشخصيات الدولية للتنظيم ويشغل موقع المنسق العام للمجلس الأوروبي للأئمة والوعاظ، فضلا عن فريد حيدر وخالد صديق اللذين يعملان في إطار أنشطة تستهدف الشباب واللاجئين، ويحرصان على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع الجاليات المسلمة. كما يبرز كذلك جعفر عبد السلام الذي يدير مركز الرسالة لتعليم اللغة العربية في برلين، وهو مركز يستخدم التعليم كأداة للتأثير وبناء قاعدة مجتمعية موالية للتنظيم.
تطرق التقرير كذلك إلى العنصر النسائي في الإخوان بألمانيا، فلهن أيضا دور متنام، فالجماعة أدركت مبكرا أهمية إشراك المرأة في أنشطتها، ليس فقط على المستوى الاجتماعي بل أيضا في التأثير السياسي والثقافي. منهن رشيدة النقزي، وهي تونسية الأصل ومقيمة في بون، وتتولى مسؤولية قسم المرأة في اتحاد المنظمات الإسلامية، بينما تُعد ليديا نوفل من أبرز الشخصيات النسوية التي تسعى لاختراق المؤسسات الحزبية الألمانية، حيث شاركت في تأسيس مجموعة عمل إسلامية داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي. أما نينا موهي فتعمل في منظمة تُعرف باسم "كليم"، وتستخدم موقعها للضغط على المؤسسات الألمانية من خلال الترويج لقضايا التمييز الديني وتوجيهها بما يخدم الجماعة.
تطرق التقرير كذلك إلى آليات القيادة داخل الإخوان في ألمانيا، وقال إنها ليست واضحة أو معلنة، فالتنظيم يعتمد على بنية خفية ومرنة تقوم على مجالس استشارية وأمناء يتحكمون في التمويل والتعيينات، إلى جانب شبكات طلابية ومهنية تتحرك في الجامعات والمؤسسات. وأضاف أن هذا النمط من القيادة يمنح الجماعة قدرة على المناورة وتجنب الملاحقة المباشرة، إذ يمكن تبديل المواقع والأدوار بين الأفراد بسهولة متى ما اشتدت الرقابة الأمنية. كما يُعهد بالكثير من المسؤوليات إلى شباب تم تأهيلهم في مؤسسات مرتبطة بالتنظيم الدولي، لضمان استمرارية التجديد وضخ قيادات جديدة أقل شهرة وأكثر قدرة على العمل بعيدًا عن الأضواء.
يقول التقرير كذلك إن التمويل يمثل أحد أعمدة بقاء الإخوان في ألمانيا، حيث تعتمد الجماعة على الجمعيات الخيرية التي تجمع التبرعات بحجة العمل الإنساني، إضافة إلى دعم خارجي يأتي من أفراد وجهات في الشرق الأوسط، فضلاً عن المؤسسات التعليمية التي توفر موارد مالية من خلال الرسوم والمنح. كما أن هذا التمويل لا يقتصر على تغطية النفقات، بل يُستخدم أيضا كأداة لبناء النفوذ الاجتماعي والسياسي، إذ يتيح للجماعة تقديم خدمات التعليم والمساعدات للجاليات، ما يمنحها شرعية محلية ويقوي قدرتها على التجنيد والتأثير.
ويقول التقرير إنه رغم نجاح الإخوان في التغلغل داخل المجتمع الألماني، فإنهم واجهوا ولا يزالون يواجهون انقسامات داخلية وتوترات مرتبطة بالهوية والاستراتيجية. وأوضح أن بعض المجموعات تسعى للاندماج بشكل أكبر في المجتمع الألماني وتخفيف الخطاب الأيديولوجي، بينما تتمسك مجموعات أخرى بموقف أكثر تحفظا وانغلاقا. ويرى أن هذه الانقسامات تعكس أيضا تأثير الخلافات الدولية داخل التنظيم.
وتطرق تقرير المركز الأوروبي إلى العلاقة بين الجماعة في ألمانيا والتنظيم الدولي، إذ قال إنها تبقى حاضرة بشكل واضح، حيث يشارك قادة الإخوان في ألمانيا في المؤتمرات الدولية ويتلقون الدعم المادي والمعنوي من قيادات التنظيم بدول أخرى، كما يستفيدون من برامج تدريب وإعداد كوادر يتم تنظيمها عبر هذه المراكز الدولية. وشدد على أن ألمانيا بالنسبة للتنظيم تُعد ساحة مهمة لأنها تمنحه مساحة قانونية للتحرك، وفي الوقت ذاته تمثل بوابة للتأثير على مستوى أوروبي أوسع.
وعن توقعاته لمستقبل التنظيم في ألمانيا، يتوقع تقرير المركز أن تتزايد الضغوط الأمنية والسياسية على أنشطة الإخوان في ألمانيا، خاصة مع تصاعد المخاوف من الإسلام السياسي وارتباطه المحتمل بالتطرف، موضحاً أن هيئة حماية الدستور تضع الجماعة تحت المراقبة المستمرة وتعتبرها تهديدا غير مباشر للنظام الديمقراطي، ومن المحتمل أن تتخذ إجراءات أشد صرامة بحق جمعيات ومراكز مرتبطة بالإخوان من خلال فرض قيود مالية أو حتى حل بعض الكيانات إذا ثبت استغلالها لأغراض سياسية مخالفة للقوانين. وأشار إلى أن هذه الإجراءات ستكون اختبارا لقدرة التنظيم على المناورة.