بث تجريبي

غياب السياسة الديمقراطية المعضلة الأساسية في سوريا

منذ سقوط النظام البعثي، لم نرَ أي تغير في الواقع السوري الذي يتجه كل يوم إلى الأسوأ، ربما إن هيئة تحرير الشام وصلت إلى القصر الجمهوري واستحوذت على كرسي الحكم هذا هو الظاهر والواضح أكثر للعيان، وإن الحكومة الانتقالية لم تنجح بإدارة سوريا، ولم تحتوي الشعب السوري بالشكل الصحيح، ولم تنتهج خطوات سياسة جادة وحقيقية، بل كانت ولا تزال بعيدة كل البعد عن السياسة.

ربما يقول المطلع وبعض المراقبين كيف تكون الحكومة الحالية بعيدة عن السياسة؟ وهي قد عقدت مؤتمراً وطنياً، وأعلنت الإعلان الدستوري الجديد، وهي تتجه نحو تشكل البرلمان.

بالإضافة للعلاقات الدبلوماسية، والمؤتمرات الاستثمارية الانفتاح الدبلوماسي؛ فكل يوم نرى أن وزير الخارجية للحكومة الانتقالية “أسعد الشيباني” في بلد جديد فمن السعودية إلى تركيا إلى روسيا…. إلخ.

كل هذا والحكومة بعيدة عن السياسة، نعم بعيدة عن السياسة أو بالأصح بعيدة عن السياسة الديمقراطية التمثيلية، التي تعتمد على انتخاب الشعب ممثلين عنهم في السلطة التشريعية ليضعوا القانون العادل، وكل الأعمال التي ذكرناها آنفاً، ما هي سوى أعمال حملت طابعاً دكتاتوري إقصائي، وصُبغت بلونٍ واحد وحملة هوية واحدة، وذلك تحت شعار من يُحرر يُقرر.

منذ أكثر من خمسة عقود في ظل الحكم البعثي لم يُتَح للسوريين ممارسة حقهم الأساسي في الانتخاب أو اختيار ممثليهم، بل فُرضت عليهم أنظمة متتالية بالقوة والعنف، وأصبحت لغة السلاح بديلاً عن لغة السياسة.

وهذا البعد عن السياسة والديمقراطية، استمرار ويستمر إلى يومنا الحالي، وهو الذي جعل السوريين يعيشون في دوامة ومأساة إنسانية لم تنتهِ فصولها بعد، فبعد سقوط النظام البعثي بالمعنى التقليدي وانهيار شرعيته، لم يأتِ “التحرير المزعوم” بالحرية المأمولة، بل تحوّل إلى صراعٍ دموي طويل، وتحول من فرحةٍ إلى غصةٍ؛ لأن القوى المسيطرة على الأرض لم تتمكن من احتواء الشعب أو إدارة البلاد برؤية سياسية جامعة، بل سعت إلى فرض هوياتها وذهنيتها الخاصة، ما عمّق الانقسام وزاد من معاناة المجتمع السوري.

اليوم، سوريا لم تعد دولة بالمفهوم الحقيقي، بل جغرافياً ممزقة، تُدار فيها مناطق متعددة بعقلية الأكثرية والأقلية، بعيدًا عن أي حياة سياسية حقيقية، والحرب الأهلية التي تمزق النسيج الاجتماعي السوري الذي كان قائمًا على التعددية القومية والدينية بفعل الصراعات الطائفية، وغياب أي محاولة جادة لترميم هذا الصدع عبر مشروع وطني جامع، ما هي إلا نتيجة لغياب السياسة الديمقراطية.

المعضلة الأساسية في سوريا اليوم ليست فقط الحرب الأهلية أو الاحتلالات الأجنبية، بل غياب السياسة الحقيقية. بمعناها الحقيقي؛ فن إدارة التعدد، وضبط الخلاف عبر التوافق، وصياغة عقد اجتماعي يجمع المختلفين على قاعدة المواطنة، فالسياسة ليست مجرد صراع على الكرسي أو سلطة أمر الواقع.

غياب هذا البعد جعل سوريا عالقة بين أنظمة ديكتاتورية متعاقبة وقوى أمر الواقع عاجزة عن بناء مشروع وطني جامع، وتجاوز هذا الواقع لا يكون بمجرد إسقاط سلطة أو تبديل وجوه، بل بخلق نظام جديد يقوم على الحرية والعدالة والديمقراطية. سوريا الحرة ليست حلمًا بعيدًا، بل مشروعًا واقعيًا إذا ما اجتمع السوريون على أن السياسة هي البديل عن العنف، والدستور هو الطريق نحو عقد اجتماعي جديد.

فقط حينها يمكن أن تُبنى سوريا كبيتٍ لكل أبنائها، وتصل لمعنى الحرية، فالحرية الحق لا تُصنع بالبندقية وحدها، بل بالحوار والعدالة والسياسة.

... نقلاً عن صحيفة روناهي 

قد يهمك