مع اقتراب مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، لا تزال سوريا تعيش حالة من الترقب وسط مخاوف واسعة من انزلاق البلاد نحو تكرار نموذج استبدادي جديد يذكّر بسنوات حكم حزب البعث.
وفي حوار مع موقع "المبادرة"، ترى ليلى موسى السياسة السورية البارزة وممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في مصر أن ما كان يأمله السوريون بعد سقوط نظام بشار الأسد لم يتحقق، بل إن الشرخ الاجتماعي والسياسي ازداد عمقاً بسبب الإصرار على النهج الأحادي وغياب الاندماج الديمقراطي الحقيقي. وتؤكد موسى أن سوريا، منذ تأسيسها الحديث، لم تشهد عملية اندماج وطني تضمن مشاركة جميع مكوناتها، ما جعل الصراعات والتناقضات والمظلوميات تتكرر عبر العقود.
إلى نص الحوار:
- دكتورة ليلى… بعد سقوط النظام في 8 ديسمبر، كان الأمل العام أن تبدأ سوريا صفحة جديدة. كيف ترين ما جرى بعد ذلك التاريخ؟
كل ما كان يتأمله السوريون بعد 8 ديسمبر هو أن تبدأ مرحلة جديدة وتُفتح صفحة مختلفة في تاريخ سوريا، بحيث تتم معالجة تداعيات كل السياسات التي مورست سابقاً، خاصة ما يتعلق بعملية الاندماج الديمقراطي. لكن ما حدث بعد السقوط لم يلبِّ تلك التطلعات. سوريا، منذ ستينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، لم تشهد عملية اندماج حقيقية بين مكوناتها، لا بالشكل الصحيح ولا بالشكل الذي يعكس حقيقة المجتمع السوري. وهذا الافتقار للاندماج كان أحد الأسباب الأساسية التي جعلت الصراعات تتكرر دائماً، وجعلت التناقضات داخل المجتمع تتعمق، وجعلت المظلوميات تتراكم عبر عقود. وعوضاً عن أن نرى خطوات لتجاوز هذه المظلوميات، شهدنا بعد 8 ديسمبر تصاعداً في النهج الأحادي، وإصراراً أكبر على الفكر الإقصائي، وكأن البلاد تعود إلى الأساليب ذاتها التي كانت سبباً في انفجار الأزمة منذ البداية.
- ما الأسباب التي جعلت الشرخ داخل المجتمع يزداد بدل أن ينحسر كما كان يأمل كثير من السوريين؟
لأن الرؤى التي فُرضت بعد السقوط فُرضت بالقوة وليس بالحوار، وكانت الأدوات المستخدمة هي أدوات التحريض ونشر ثقافة الكراهية. هذا الأسلوب يقوّض أي إمكانية للحفاظ على اللحمة الوطنية أو السلم الأهلي. وبدلاً من أن تُلملم جراح السوريين ويُعاد بناء جسور الثقة بينهم، رأينا إبادات وانتهاكات حصلت بحق بعض المكونات السورية. وما حدث للعلويين والدروز، إضافة إلى ما تعرّضت له مكونات أخرى داخل المجتمع السوري، يوضح حجم الخطر الذي ولّدته السياسات الجديدة. لقد كانت سنة مليئة بتجارب مؤلمة وقاسية جداً، وأكدت لنا أن الخطوات الأولى التي اتُّخذت بعد سقوط النظام لم تكن في الاتجاه الصحيح. كان يفترض أن يتم إطلاق حوار سوري حقيقي يجمع كل السوريين بلا استثناء، لأن غياب هذا الحوار هو ما جعل الوضع ينزلق إلى مزيد من التوتر.
- هل تعتقدين أن الوضع قابل لمزيد من التأزم؟ أم أن هناك فرصة لتصحيح المسار؟
في رأيي، ما لم تحدث خطوة جادة لإطلاق حوار سوري شامل يضم جميع السوريين، فإن الوضع سيتجه نحو تأزم أكبر، وهذا ما لا نأمله على الإطلاق نحن كسوريين. لكن رغم كل شيء، ما يزال هناك متسع من الوقت وهناك فرصة تاريخية حقيقية يجب ألا تضيع. نحن نعيش مرحلة مليئة بالمخاطر، لكنها أيضاً مرحلة يمكن أن تُبنى فيها أسس جديدة لتغيير حقيقي وفعّال. هذا التغيير لن يتحقق إلا عبر عملية اندماج ديمقراطي كاملة، وعبر احتواء كل السوريين بلا استثناء وإشراكهم في العملية السياسية وإدارة البلاد. أي مسار آخر لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام.
هناك حديث واسع عن أن سوريا اليوم تتجه نحو "نسخة مشوهة" من نظام البعث. هل هذا الحديث يوصف بالتهويل أم يعكس واقعاً؟
لا، ليس فيه مبالغة ولا تهويل. جميع الإجراءات التي تم اتخاذها منذ سقوط النظام، بدءاً من مؤتمر "نصير" وصولاً إلى الإعلان الدستوري والانتخابات التشريعية التي جرت مؤخراً، تمت وفق رؤية أحادية بالكامل. كان هناك إقصاء ممنهج لبعض المكونات السورية، وكأن التاريخ يعيد نفسه حرفياً. المضي قدماً بهذه السياسات هو تكرار واضح لنموذج النظام السابق. ولذلك نقول دائماً إنه ما تزال هناك إمكانية للعدول عن هذه الخطوات، حتى لا نكرر التجارب ذاتها التي دفع السوريون ثمنها طوال عقود. وأعتقد أن اتفاقية 10 مارس كانت مثالاً على خطوة كان يمكن البناء عليها، ولو تم تنفيذها وتعميمها على باقي الجغرافيا السورية لربما كانت نقطة تحول حقيقية لمنع العودة إلى ما كانت عليه البلاد سابقاً.
هناك من يقول إن أي نظام غير نظام بشار الأسد هو بالضرورة نظام جيد. هل هذا منطق واقعي؟
إطلاقاً. هذا كلام غير منطقي، لأن المعضلة الأساسية في سوريا لم تكن يوماً متعلقة بالأشخاص، بل ببنية نظام الحكم نفسه. أي نظام يقوم على مركزية شديدة ويُحصر القرار فيه داخل فئة واحدة أو بيد رئيس الدولة وحده، ويتجاهل إرادة الشعب السوري واحتياجاته، هو نظام محكوم بإعادة إنتاج الأزمة ذاتها. المشكلة سياسية وبنيوية قبل أن تكون شخصية. نحن بحاجة إلى نظام حكم ينسجم مع خصائص المجتمع السوري، ويعبّر عن تنوعه وحقيقته وتركيبته. غير ذلك، أي نوع من الأنظمة يتم فرضه بالقوة سيقودنا في النهاية إلى نفس النموذج الذي حكم البلاد لعقود. هذا هو جوهر المسألة. أياً كانت الأسماء، إن بقيت البنية كما هي فلن يتغير شيء.