شهدت ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء، ذات الغالبية الدرزية في جنوب سوريا، مظاهرات حاشدة، طالب خلالها مئات المحتجين، بمن فيهم نساء وأطفال، بإنهاء ما وصفوه بـ “الحصار” المفروض على المحافظة، وسحب القوات الحكومية والمجموعات المسلحة الموالية لها.
تأتي هذه الاحتجاجات في ظل ظروف إنسانية بالغة الصعوبة، ورغم هدنة هشة سارية منذ 20 يوليو، أنهت أسبوعًا من الاشتباكات الدامية التي أودت بحياة أكثر من 1400 شخص، غالبيتهم من الدروز، وتسببت في نزوح 176 ألفًا آخرين، وفقًا لأرقام المرصد السوري لحقوق الإنسان والأمم المتحدة.
ورُفعت في المظاهرة لافتات بعدة لغات حملت شعارات مثل “السويداء تحت الحصار” و”ارفعوا الحصار عن الأطفال”، بينما طالبت لافتة أخرى بـ”فتح ممر إنساني مع الأردن” لتخفيف وطأة الأزمة.
الحصار الخانق على المحافظة
يؤكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن طريقًا رئيسيًا يربط السويداء بدمشق لا يزال مقطوعًا بفعل مجموعات مسلحة موالية للسلطة، مما يشل الحركة التجارية والتنقل.
وقد أكدت الأمم المتحدة هذا الوضع الإنساني المتردي، حيث أشار مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى أن الوصول إلى المحافظة “ما زال مقيدًا بشدة بسبب الحواجز الأمنية وانعدام الأمان”.
في المقابل، ينفي المسؤولون في دمشق تمامًا فرض أي حصار، ويلقون باللائمة على “مجموعات خارجة عن القانون”، في إشارة إلى المقاتلين الدروز المحليين.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية بالحكومة الانتقالية، نور الدين البابا، متسائلًا: “لو كان ثمة حصار مفروض على السويداء، لما دخلت قوافل المساعدات الإنسانية أساسًا”، مضيفًا أن استئناف الحركة التجارية مستحيل في ظل سيطرة هذه المجموعات على المنطقة.
إبراهيم شيخو، رئيس منظمة عفرين لحقوق الإنسان
يقول إبراهيم شيخو، رئيس منظمة عفرين لحقوق الإنسان، إن مدينة السويداء محاصرة، والقوات التابعة لحكومة دمشق تمنع دخول الطحين والمواد الغذائية إلى المحافظة، بهدف تجويع السكان عقابًا لهم على منعهم دخول القوات المهاجمة إلى المدينة.
وأضاف أن الحصار وقطع طريق دمشق – السويداء حدثا بعد مقاومة الفصائل الدرزية لقوات العشائر والبدو والأمن العام، لذلك جرى معاقبة أهالي المدينة بعد طرد تلك القوات بالكامل إلى خارجها.
وبيّن رئيس المنظمة أن الأهالي والمنظمات المحلية يطلقون مناشدات لفتح الطرقات وإدخال المساعدات الإنسانية في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعانونها.
نورس قنطار، المقاتل في حركة رجال الكرامة
كما نفى نورس قنطار، المقاتل في حركة رجال الكرامة، في تصريح خاص، ما تداوله الإعلام عن دخول قوافل مساعدات إنسانية إلى المحافظة، مبينًا أنه منذ الأيام الأولى للقتال، قطعت القوات التابعة لحكومة دمشق طريق دمشق المتجه إلى السويداء، وقد انتشرت مقاطع فيديو على فيسبوك تُظهر تلك المجموعات وهي توقف المساعدات وتعيدها من حيث أتت. وأشار قنطار إلى أن هذه الأزمة الطاحنة لم تترك لسكان السويداء سوى التهجير وخراب البيوت.
شبح المجاعة يخيم على المحافظة
وأوضحت تقارير دولية أن سكان محافظة السويداء يعيشون أزمة حادة مع انقطاع خدمات الماء والكهرباء، وشح في المواد الغذائية والأدوية والمحروقات، ووصفت الوضع بأنه “كارثي بامتياز”، لأن المساعدات التي تصل لا تلبي احتياجات السكان.
وبيّن قنطار أن أوضاع محافظة السويداء سيئة، حيث يخيم شبح المجاعة على كل شيء، فلا تجد الأسر ما يسد رمقها. وأضاف أن كل الاحتياجات الأساسية مقطوعة عن المحافظة من مياه وكهرباء ومحروقات بكافة أشكالها، وهذه الأزمة ممتدة لتشمل المواد الغذائية، وفي مقدمتها الطحين الذي لم يعد العثور عليه سهلاً.
وأوضح أن المشهد الأساسي حاليًا في شوارع مدينة السويداء وريفها هو الطوابير، سواء كانت تلك الطوابير على خزان مياه أو أمام سيارات تبيع بعض الخضروات.
أبو هايل فراس نعيم، المقاتل في مجلس السويداء العسكري
منطقة منكوبة
ويقول أبو هايل فراس نعيم، المقاتل في مجلس السويداء العسكري، إن محافظة السويداء أصبحت منطقة منكوبة، فهي محاصرة من كل شيء، سواء المواد الغذائية أو الأدوية أو المحروقات وكل مستلزمات الحياة اليومية.
وأضاف أن المحروقات اختفت من المدينة، مما صعّب عمليات التنقل داخلها. وفي وصفه لرد فعل السكان تجاه الأزمة الحالية، قال المقاتل الدرزي إنهم يمكن أن يظلوا دون أكل أو شرب أو محروقات، ولكنهم لن يسمحوا لأحد بالمساس بكرامتهم، مهما اشتد الحصار، لأن كرامتهم أغلى ما يملكون.
واختتم قائلًا: “إما فوق الأرض بكرامة، أو تحت الأرض بكرامة”، متهمًا حكومة دمشق بأنها متواطئة في الحصار، والدليل على ذلك أن طريق دمشق – السويداء مقطوع الإمداد.
سمير عزام، منسق تجمع السوريين العلمانيين الديمقراطيين في السويداء
جرائم ممنهجة ومخاوف من تكرار المأساة
بدوره، يقول سمير عزام، منسق تجمع السوريين العلمانيين الديمقراطيين في السويداء، إن هناك 32 قرية هُجّر سكانها وأُحرقت منازلهم في غرب وشمال وشمال شرق المحافظة، وهي مستباحة من قبل مجموعات مسلحة تأتي من المناطق المجاورة، وتكمل عمليات النهب والحرق وتدمير البنية التحتية، تحت أنظار حواجز الأمن العام.
وأضاف أن تلك المجموعات تدخل إلى المحافظة وتخرج منها عبر الحواجز الأمنية، وبعد نهب البيوت بشكل شبه كامل، شرعت في تخريب البنية التحتية، من شبكات كهرباء واتصالات، واقتلاع أشجار الزيتون.
وقد أثرت المأساة الإنسانية في السويداء على المكونات السورية الأخرى، حيث أدان “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) التصعيد، مبينًا أنه يهدد بانزلاق البلاد نحو أزمات أعمق، بينما زار وفد من حزب الاتحاد السرياني المرجعية الدرزية الدينية في السويداء.
جميل دياربكرلي، المدير التنفيذي للمرصد الآشوري لحقوق الإنسان
فيما يقول جميل دياربكرلي، المدير التنفيذي للمرصد الآشوري لحقوق الإنسان: “إن ما تشهده السويداء يثير مخاوف جدية بشأن مستقبل سوريا، وهناك قلق واسع من أن محاولة السلطات فرض رؤية أحادية للدولة، لا تتوافق مع التنوع الإثني والديني، قد تدفع سوريا نحو مزيد من الانقسام”.
وشدد دياربكرلي على أن المطالبة بالحماية الدولية والعربية تتصاعد كضرورة ملحة هذه الأيام، بهدف تجنب وقوع مجازر أخرى ضد السوريين، وضمان أمن وسلامة جميع المكونات في البلاد.
من زوايا العالم
منبر الرأي
منبر الرأي