تتجه فرنسا نحو مرحلة شديدة الاضطراب السياسي مع اقتراب التصويت الحاسم، غدًا الثلاثاء، على مشروع قانون تمويل الضمان الاجتماعي، في ظل انقسامات واسعة تهدد بتكرار سيناريو سقوط حكومة ميشيل بارنييه قبل عام، على خلفية القضية ذاتها. ورغم أكثر من 120 ساعة من النقاشات البرلمانية، يجد رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو نفسه بين التزامه بعدم اللجوء إلى المادة الدستورية 49.3 وحسابات برلمانية معقّدة قد تطيح بالمشروع.
تعود جذور الأزمة إلى العجز المتزايد في موازنة نظام الضمان الاجتماعي الذي يشمل التأمين الصحي والتقاعد والتأمين ضد البطالة. ومع توقع وصول العجز إلى 23 مليار يورو في 2025، تدفع الحكومة باتجاه ميزانية تتضمن إجراءات تقشفية وزيادة في الضرائب، لكنها قدمت تنازلات واسعة، أبرزها تعليق إصلاح التقاعد الذي كان سيُرفع سنّه إلى 64 عامًا.
هذه التنازلات أثارت استياء اليمين، بينما يرفض اليسار واليمين المتشددان المشروع بالكامل. وفي حال إسقاطه، يحذر خبراء من ارتفاع العجز إلى أكثر من 30 مليار يورو، ما قد يفتح الباب أمام أزمة اقتصادية واجتماعية شاملة.
كشفت صحيفة لوبوان أن حزب التجمع الوطني، الذي يملك 123 نائبًا، سيصوّت ضد المشروع، بينما وصف حزب "فرنسا الأبية" النص بأنه "ميزانية بؤس". وزادت الأزمة تعقيدًا عندما أعلن حزب "هوريزون"، أحد مكونات التحالف الرئاسي، رفضه دعم المشروع، معتبرًا أنه يتعارض مع التزاماته السياسية.
وفي خطاب شديد اللهجة، هاجم برونو روتايو، رئيس حزب الجمهوريين، المشروع واصفًا إياه بـ"السطو المالي والاجتماعي والديمقراطي"، ودعا نواب حزبه للتصويت ضدّه أو الامتناع. كما أعلن رئيس الوزراء السابق ميشيل بارنييه أنه سيمتنع عن التصويت محذرًا من "ابتزاز الحزب الاشتراكي".
في المقابل، أعلن زعيم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور دعمه للمشروع، داعيًا أعضاء حزبه للتصويت بـ"نعم"، واصفًا الميزانية بأنها "صيغة تسوية مقبولة". بينما يبقى حزب الخضر في موقف متردد، رغم محاولات الحكومة استمالته بزيادة مخصصات التأمين الصحي.
رفعت الحكومة من مستوى التحذيرات، إذ أكد وزير العمل جان بيير فاراندو أن سقوط المشروع سيؤدي إلى "أزمة سياسية تتبعها أزمة اقتصادية ثم اجتماعية". وكشفت مذكرة لوزارة الصحة أن غياب ميزانية جديدة سيرفع العجز إلى ما يتجاوز 30 مليار يورو في 2026.
وحذّرت وزيرة الحسابات العامة أميلي دو مونشالان من أن فشل المشروع يعني غياب الميزانية حتى مارس أو أبريل، بينما نفَت المتحدثة باسم الحكومة مود بريجون نية رئيس الوزراء الاستقالة، رغم تأكيد المعارضة أن بقاءه سيكون صعبًا إذا فشل التصويت.
رغم نجاح الحكومة في تمرير الشق المتعلق بالإيرادات الأسبوع الماضي بسبب غياب كتل معارضة كبيرة، يبقى التصويت على النفقات وعلى النص كاملًا معلقًا بفارق ضئيل جدًا من الأصوات. وأقرت وزيرة في الحكومة بأن التصويت النهائي "سيكون شديد الصعوبة" دون اللجوء إلى المادة 49.3، التي يرفض لوكورنو استخدامها حفاظًا على التزامه.