بث تجريبي

الحكومة الموازية في السودان.. كيان وهمي أم تمهيد للانقسام؟

في تحدٍّ للتحذيرات والرفض الإقليمي والدولي، أعلنت قوات الدعم السريع والفصائل المتحالفة معها، ضمن ما يُعرف بـ”تحالف السودان التأسيسي”، تشكيل حكومة موازية أُطلق عليها اسم “حكومة السلام الانتقالية”.

وتتألف هذه السلطة الجديدة من مجلس رئاسي يضم 15 عضوًا، يتولى قيادته قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو، ويعاونه في منصب النائب عبد العزيز الحلو، قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، كما تم تكليف عضو مجلس السيادة السابق، محمد حسن التعايشي، برئاسة مجلس الوزراء وتشكيل فريقه التنفيذي.

وقد أُعلن عن هذه الخطوة من مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، التي يُرجّح أن تكون المقر الرسمي للحكومة الجديدة، ويؤكد قادة التحالف أن حكومتهم ليست انفصالية، بل تهدف إلى أن تكون بديلاً لما وصفوه بـ”الدولة السودانية القديمة الفاشلة”، و”ملاذًا” للمواطنين في مواجهة الجيش والجماعات الإسلامية.

                                                                  خليل حسن الضو

لا وجود فعليًا على الأرض
يقول خليل حسن الضو، المتحدث باسم المقاومة الشعبية المسلحة، في تصريح خاص لموقع “المبادرة”، إن الحكومة السودانية الموازية لا وجود لها فعليًا على الأرض، حتى الرئيس المعيَّن لها، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لا يُعرف له وجود حالي، ولم يخرج بأي خطاب رسمي.
وأشار إلى أن شقيقه عبد الرحيم دقلو مصاب ويتلقى العلاج في الإمارات نتيجة استهداف بطيران مسيَّر، ما يعني أن قادة الميليشيا أنفسهم غائبون.

وأضاف أن الوزراء المُعلَنين متواجدون أصلًا في العاصمة الكينية نيروبي، ولم يدخل أيٌّ منهم السودان، بل لم يزوروا حتى المدن التي تسيطر عليها الميليشيا مثل نيالا، وبالتالي لا يمكن الحديث عن وجود فعلي لتلك الحكومة.

ولفت الضو إلى أن بعض المناصب التي أُعلنَت في تلك الحكومة لا وجود لها على أرض الواقع، فقد تم تعيين مسؤولين لأقاليم مثل الإقليم الشرقي، والشمالي، والوسط، رغم أن الميليشيا لا تسيطر على تلك المناطق أصلًا، كما أن هذه التقسيمات الإقليمية غير معمول بها في السودان أصلًا.

                                                           الناشط السياسي السوداني أنس حسن

“حكومة بلا أرض ولا شعب
من جانبه، وصف الناشط السياسي السوداني أنس حسن الحكومة الجديدة بأنها “حكومة بلا أرض ولا شعب”، موضحًا أنها لا تملك القدرة حتى على تشكيل مجلس محلي، ناهيك عن إعلان دولة.

وأشار إلى أن المشاركين في هذه الحكومة قرروا إقامة كيان في “مساحة افتراضية” أسموه “حكومة”، لكنهم عاجزون عن تحويله إلى واقع ملموس أو تحقيق أي إنجاز فعلي.

وأكد أن هذه الحكومة الموازية تحمل في داخلها بذور فشلها وانقسامها، نظرًا للخلافات التاريخية والأيديولوجية بين مكوناتها، مضيفًا أن “شريان حياتها الأول والأخير هو التمويل الإماراتي، ومتى ما انقطع، فارقت هذه الحكومة صوتها”.

حلفاء الدعم السريع في الحكومة
تشكلت الحكومة الجديدة من تحالف “تأسيس”، المنبثق عن انقسام تحالف “تقدُّم”. وقد شهدت الأحزاب المكونة لهذا التحالف انقسامات، مثل “حزب الأمة”، الذي انقسم بين معسكر رئيسه المتحالف مع الدعم السريع، وبقية الأطراف، بالإضافة إلى انشقاق فصيل من “حزب المؤتمر السوداني” تحت اسم “المؤتمر السوداني الفيدرالي”.

أما على المستوى العسكري، فتُعد الحركة الشعبية – شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، أبرز الحلفاء العسكريين للدعم السريع في الحكومة الجديدة، حيث شغل الحلو منصب نائب الرئيس، إلى جانب بعض الحركات المسلحة في دارفور التي انحازت للدعم السريع، مثل حركة الهادي إدريس آدم.

وأوضح الضو أن حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك شكّلت الحديقة الخلفية لحكومة حميدتي الحالية، مستدلًا بأن من يتحدث باسم الميليشيا هو علاء نقد من قوى الحرية والتغيير، التي أصبحت تُفكر وتتحرك سياسيًا نيابةً عن الميليشيا، وبات الطرفان وجهين لعملة واحدة.

وأضاف أن تلك المكونات تجاوزت مرحلة “الخيانة والعمالة”، لأنها أصبحت غطاءً سياسيًا لميليشيا جرى استقدام عناصرها من دول مثل تشاد والنيجر وجنوب السودان، وهي ميليشيات لا تتحدث العربية ولا اللهجة السودانية، وتفرض حكمها على السودانيين.

موقف الحلو وسكان جبال النوبة
تطرق الضو إلى موقف الحركة الشعبية – شمال، موضحًا أنه في عام 2019، عند توقيع اتفاق جوبا للسلام، رفض عبد العزيز الحلو التوقيع، واصفًا حميدتي حينها بأنه “ميليشياوي وسفّاح”، وقال إن عقد اتفاق سلام معه غير ممكن.
وأضاف أن هناك تسجيلات إعلامية للحلو ولقادة جيشه في كاودا، ينتقدون فيها حميدتي ويشككون في أهليته.

وأشار الضو إلى أن الحلو قبِل لاحقًا الاندماج في الحكومة الموازية، رغم أن حميدتي في ذلك الوقت لم يكن قد ارتكب بعدُ الفظائع التي ارتكبها خلال الحرب الحالية، مما يثير التساؤلات حول دوافع هذا التغيير في الموقف.

وأكد أن سكان جبال النوبة غير راضين عن انضمام الحلو إلى الحكومة الموازية، بسبب التوترات القبلية بين النوبة وقبيلة الرزيقات، وجرائم الجنجويد التي شملت القتل، والاغتصاب، والتهجير بحق سكان تلك المناطق.
وأوضح أن هذه المواقف تتناقض مع مواقف النخب السياسية التي تم “شراؤها” من قبل حميدتي، وأصبحت جزءًا من حكومته.

الجغرافيا المحدودة للحكومة الجديدة
لا تدير الحكومة الموازية سوى جزء محدود من الأراضي السودانية، إذ لم تعد قوات الدعم السريع تسيطر فعليًا إلا على مناطق متفرقة في ولايتي شمال وغرب كردفان، بالإضافة إلى جيوب محدودة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وأربع من ولايات دارفور الخمس.

أما الحركة الشعبية – شمال، وهي الشريك الثاني في تحالف “تأسيس”، فتُسيطر منذ عام 2011 على مناطق جنوب غرب ولاية جنوب كردفان، خاصة في محليات البرام، أم دورين، وهيبان، وتتخذ من كاودا، الواقعة وسط الجبال، مقرًا لها.
وقد أقامت إدارات مدنية في تلك المناطق التي تعاني من أوضاع إنسانية متدهورة وتعتمد على المنظمات الدولية في مجالي التعليم والصحة.

                                                  الصحفي والإعلامي السوداني محمد سعيد حلفاوي

تحذيرات من خطر الانفصال
يرى الصحفي والإعلامي السوداني محمد سعيد حلفاوي، في تصريح خاص لموقع “المبادرة”، أن هذه الخطوة تُمهّد للانفصال، وسلخ المناطق الغربية عن الوطن السوداني الأم. وقال إن الواقع الاجتماعي والقبلي معقد، لكن المجتمع الدولي يوظف المعطيات بما يخدم مصالحه، مضيفًا أن الحديث عن انفصال دارفور كان من المحرمات سابقًا، لكنه أصبح يتردد اليوم بشكل متزايد.

في المقابل، أفاد المتحدث باسم المقاومة الشعبية المسلحة أن الولايات التي تسيطر عليها ميليشيا الدعم السريع أصبحت شبه خالية من السكان بعد موجات النزوح، ولم يتبقَّ فيها سوى وجود عسكري محدود، بينما يحاصر الجيش مدينة الفاشر، التي لجأ إليها العدد الأكبر من المواطنين الفارّين من مناطق النزاع.

قد يهمك