تشكّل روج آفا، إحدى أبرز تجارب الإدارة الذاتية “الكردستانية” في العصر الحديث، لكنها ليست مجرد تجربة محلية معزولة؛ بل تُعد امتدادًا استراتيجيًا للمشروع التحرري الكردستاني في عموم المنطقة. من هذا المنطلق، فإن الدفاع عن روج آفا لا يمكن فصله عن الدفاع عن مصير كل الكردستانيين، سواء في (شمال و جنوب وشرق) کردستان، بل وحتى في الشتات. إن سقوط روج آفا لن يكون نكسة محلية فحسب، بل سيؤسس لمرحلة جديدة من العزلة، والتفكك، وربما الانكماش السياسي الكردي في المنطقة كلها.
روج آفا بوصفها تجربة كردستانية تتجاوز الجغرافيا
برزت روج آفا منذ عام ٢٠١٢ كنموذج فريد للحكم الذاتي، قائم على فلسفة الأمة الديمقراطية التي تبناها القائد عبد الله أوجلان، وتم تطبيقها من خلال نظام الكومينات والمجالس الشعبية. وعلى الرغم من أن حدودها تقع داخل الجغرافيا السیاسیة السورية، فإن رمزية روج آفا تجاوزت حدودها، حيث صارت تُنظر إليها بوصفها “الوجه المدني” للقضية الكردية المعاصرة، خاصةً بعد معارك كوباني ضد داعش التي أكسبت الكرد شرعية دولية.
الترابط الجيوسياسي بين أجزاء كردستان الأربعة
لطالما اعتُبر نضال الكرد في الأجزاء الأربعة من کردستان، نضالًا ذا أبعاد مشتركة، حتى مع اختلاف السياقات. إن أي نجاح في جزء من كردستان يعزز الأمل ويُغذّي حركة الوعي في الأجزاء الأخرى، وقد أثبتت السنوات الماضية أن كل اختراق كردستاني على الصعيد السياسي أو العسكري يُقابل بردود فعل من القوى الإقليمية التي ترى في وحدة الخطاب الكردستاني تهديدًا لاستقرارها المركزي. وهكذا، فإن استهداف روج آفا ليس فقط لضرب تجربة سورية، بل لضرب مشروع تحرري إقليمي.
روج آفا كعامل توازن في المشروع الوطني الكردستاني
في حين انخرطت الأحزاب الكردستانية في جنوب كردستان في علاقات معقدة مع بغداد وأنقرة، وقدّمت تنازلات تكتيكية، فإن روج آفا مثّلت نقطة توازن أو تصحيح، حيث احتفظت بخطاب ثوري واستقلالي إلى حدٍ بعيد، كما رفضت الاصطفاف الإقليمي، وراهنت على نموذج ثالث، يقوم على الديمقراطية المحلية واللامركزية. هذا الاختلاف لا يعني الانفصال، بل يُغني المشروع الكردستاني، ويمنحه أدوات متنوعة للبقاء والصمود، وهو ما يجعل من الدفاع عن روج آفا دفاعًا عن هذا التنوع الضروري في الأداء السياسي الكردستاني .
روج آفا تحت التهديد – مَنْ يخسر إذا سقطت؟
منذ عام 2018، تواجه روج آفا حصارًا مستمرًا متصاعداً من قبل تركيا، بالإضافة إلى ضغوطٍ أمريكية وروسية للانخراط في ترتيبات لا تضمن بقاء نموذجها. الهجمات المتكررة على قادة وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، واستهداف البنية التحتية لمناطق روج آفا الكردستانية في (الحسكة وکوباني وتل تمر)، تهدف إلى كسر إرادة هذا الكيان المتماسك. لكن؛ اللافت إن الرد الكردستاني من باقي الأجزاء لا يرتقي دائمًا إلى حجم الخطر، وهو ما يشير إلى غياب استراتيجية كردستانية شاملة، وهنا تأتي ضرورة بناء موقف موحّد، سياسيًا وشعبيًا، يُفهم من خلاله أن سقوط روج آفا سيُحدِث فراغًا استراتيجيًا لن يُملأ بسهولة، وأنه سيكون بداية لانهيار طموحات سياسية في أجزاء كردستان الأخرى، خاصةً في ظل صعود النزعات المركزية واليمينية في كل من أنقرة وطهران وبغداد ودمشق.
نحو رؤية كردستانية مشتركة للدفاع عن روج آفا
إن المطلوب اليوم ليس فقط التضامن مع روج آفا، بل العمل على دمجها في أجندة المشروع الوطني الكردستاني، بحيث تتحول إلى خطٍ أحمر لا يمكن تجاوزه، وهذا يتطلب:
ـ تعزيز التنسيق الإعلامي والسياسي بين القوى الكردستانية كافة.
ـ نقل القضية إلى المحافل الدولية باعتبار أن روج آفا لا تمثل ميليشيا، بل نموذجًا مدنيًا يهدد القوى السلطوية.
ـ خلق لوبي كردستاني في المهجر يدافع عن روج آفا بنفس الحماسة التي دافع بها عن جنوب كردستان عام ٢٠١٧.
وختاماً
الدفاع عن روج آفا ليس فقط مسؤولية أهلها، بل مسؤولية كل كردستاني يرى في الحرية مشروعًا يتجاوز الحدود المصطنعة. إنها ليست معركة جغرافية، بل معركة رمزية على بقاء الكردستانیین كفاعلٍ سياسي حرّ. وإذا ما تُركت روج آفا وحدها، فسنشهد انهيارًا معنويًا واستراتيجيًا قد لا يمكن تداركه لعقود. لذلك، الدفاع عنها هو دفاع عن مصير كل الكردستانيين.
نقاا عن صحيفة روناهي