بث تجريبي

ماذا تعرف عن ثورة 19 تموز في شمال وشرق سوريا؟

تُعد ثورة 19 تموز 2012 في روج آفا (بشمال وشرق سوريا) واحدة من أبرز المحطات التاريخية في مسيرة نضال الشعب الكردي، حيث مثّلت لحظة مفصلية تحوّلت فيها إرادة الشعوب المهمشة إلى مشروع تحرري شامل يسعى لبناء نموذج ديمقراطي تعددي في قلب الشرق الأوسط المضطرب، بحسب تقرير لوكالة فرات للأنباء.

وجاءت الثورة كنتاج عقود من النضال السياسي والثقافي والاجتماعي للكرد في سوريا، الذين عانوا لعقود من التهميش والإنكار والحرمان من أبسط حقوقهم القومية والإنسانية. ومع اندلاع الأزمة السورية، وجدت الشعوب في شمال البلاد، من الكرد والعرب والسريان وغيرهم، فرصة لإعادة صياغة واقعهم السياسي والاجتماعي بعيداً عن مركزية الدولة القومية التي أثبتت فشلها في تحقيق الاستقرار والعدالة.

إعلان للحرية

إن ثورة 19 تموز لم تكن فقط تمرداً على نظام سياسي استبدادي، بل كانت إعلاناً عن ميلاد نموذج جديد قائم على الحرية، والمساواة، والاعتراف بالتعددية القومية والدينية. لقد مثّلت بداية لتحول فكري ومؤسساتي كبير، تبنّى مفاهيم الأمة الديمقراطية، والكونفيدرالية الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والمساواة بين الجنسين.

يقول صالح مسلم عضو الهيئة الرئاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF) إن ثورة 19 تموز كانت نقطة انعطاف ليس في سوريا فقط، بل في المنطقة ككل؛ مثل الثورة الفرنسية عندما أرّخوا لها لم يتوقعوا أن تكون تأريخاً لفكرة الدولة الوطنية، وهذه طبيعة الأحداث التاريخية المهمة.

وأضاف أن 19 تموز كانت ثورة لكافة الشعب، الذي أراد التعبير عن إرادته والتحرر من النظام القمعي، والجهاديين الإرهابيين الذين كانوا يحيطون بالمناطق الكردية في روج آفا وخاصة كوباني، حيث كانت جحافل هؤلاء يتقدمون نحو المدينة؛ فوجد الشعب الكردي أنه يجب التخلص من النظام، وفي نفس الوقت التصدي للإرهابيين، فتم تطهيرها من مؤسسات الدولة وتحريرها من النظام، ثم عفرين، ثم الجزيرة.

ولفت إلى أنه بعد أن استطاع الشعب تنظيم صفوفه بدرجة ما تعرضت تلك المناطق لهجمات الإرهابيين، وصمد الشعب الكردي ودافع عن نفسه، ولولا ذلك لما استطاعت الولايات المتحدة هزيمة "داعش"، مؤكداً أن واشنطن لم تجد طرفاًيستطيع التصدي لهذا التنظيم الإرهابي إلا الكرد؛ ولهذا لم يكن أمامها خياراً إلى مد يدها لهم، مشدداً على أن ثورة 19 تموز كانت بداية تمكن الشعب من تأسيس نظامه في شمال وشرق سوريا، ويصبح نموذجاً ملهماً.

نموذج مؤسساتي وثورة حضارية

وبالفعل وتأكيداً لما ذكره صالح مسلم فإن أهم ما ميز هذه الثورة أنها لم تبق في حدود الشعار أو الحراك السياسي فحسب، بل ترجمت طموحاتها إلى مؤسسات حقيقية، تجسدت في مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، الذي بات نموذجاً يُحتذى به في الحوكمة المحلية، والإدارة المجتمعية، ومشاركة كل المكونات في اتخاذ القرار.

لقد صاغت هذه الإدارة نظاماً تشارك فيه جميع القوميات والمذاهب على أساس المساواة والشراكة، بعيداً عن الاستبداد القومي أو الطائفي، مع دور بارز للمرأة في كل مستويات السلطة، ومساهمة فعالة للشبيبة، وترسيخ لمبادئ العدالة المجتمعية والاقتصاد التعاوني، أي أنها كانت ثورة حضارية فعلية.

يؤكد ذلك صلاح الدين مسلم الكاتب والأستاذ بجامعة كوباني، في تصريح هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إذ يقول إن 19 تموز أتت كثورة فكرية وذهنية، وهي استمرار لثورة 2004 ضد بشار الأسد، ولم تكن ثورة دموية، حيث حاصر الشبان الكرد المبان العسكرية والأمنية فقط، وطلبوا تسليم السلاح والخروج وهو ما قد كان.

وأضاف أن 19 تموز هي ثورة حضارية، فكل الذين سلموا سلاحهم تم تأمين الطريق لهم حتى حلب ودمشق، ولم يتم قتل أحد منهم أو إهانته، كما نرى من إهانات في الوقت الحالي سواء في السويداء أو الساحل، أو عفرين من قبل، موضحاً أنه كان لها تأثيرها على الذهنية الفاشية التي أرادت إقصاء الكرد، ورغم كل ما واجهت فإن ثمارها مستمرة من خلال النهضة الفكرية والديمقراطية والحرية وخاصة حرية المرأة.

روح الثورة مستمرة

ورغم كل التحديات التي واجهت هذه التجربة، من حروب شرسة ضد الإرهاب، ومحاولات العزل الإقليمي والدولي، والضغوطات الاقتصادية، وهجمات الاحتلال التركي ومرتزقته المتكررة، فإن ثورة 19 تموز لا تزال حيّة، متجددة، تدافع عن مشروعها بإيمان عميق بجذورها وقيمها، التي يؤكد الجميع أن سوريا ككل في حاجة ماسة إليها الى تلك القيم الآن، ونحن نرى ما جرى بحق المكون العلوي في الساحل السوري من قبل، وما يطال المكون الدرزي في السويداء هذه الأيام.

إن استمرار هذه الثورة لا يعني فقط الحفاظ على المكاسب، بل يعني تطويرها وتعميقها، ونشر هذا النموذج الديمقراطي في مناطق أوسع، كحل بديل للصراعات المزمنة التي تعصف بسوريا والمنطقة ككل، ولهذا فإن روحها وقيمها مستمرة؛ فهي ليست حدثاً عابراً في الزمن، بل وعي متجدد، وروح مقاومة، ومشروع بناء ديمقراطي متكامل، يثبت يوماً بعد يوم قدرة الشعوب عندما تُمنح الفرصة أن تصوغ مصيرها، وتصنع من المحنة أفقاً للتحرر والسلام.

وبينما يُحتفى اليوم بالذكرى الثالثة عشرة لثورة 19 تموز، فإن روج آفا تقدم للعالم درساً في أن الثورة ليست مجرد لحظة غضب، بل فعلٌ مستمر لصنع غد أكثر عدالة وكرامة، كما أنها طبقت فلسفة المفكر والقائد عبدالله أوجلان، خاصة مفهوم الأمة الديمقراطية، في تأكيد على أنه لا يطرح مجرد أفكار يوتيوبية وإنما فكرة عملية واقعية قابلة للتطبيق.

 

قد يهمك