من الأهمية إدراك أن الهدف من مخططات الفتنة، والتي ترسمها دول سواء إقليمية أو عالمية، هو استمرار حالة عدم استقرار سوريا في ظل مرحلة انتقالية هشة، رغم أنها استطاعت أن تحقق مكاسب في الاعتراف بها على الصعيد الإقليمي والدولي، وخاصة بعد أن أعطت لها أمريكا الضوء الأخضر.
ولا يمكن إغفال أن السلطة الانتقالية بسوريا لديها إشكاليات أمنية وسياسية وعسكرية لإدارة المرحلة الانتقالية، ومن أبرز هذه الإشكاليات مدى قدرتها وقبولها لبناء مرحلة سياسية تشمل كل مكونات المجتمع السوري، ولا يتم إقصاء فصيل دون آخر، خاصة في ظل أن الحكومة الانتقالية ربما يكون لها انتماءات مختلفة.
وفي الوقت الذي كانت فيه المرحلة الانتقالية تحتاج لكافة الجهود لتأسيس مؤسسات الدولة، وكان الشعب السوري يأمل في تحقيق الاستقرار وضمان وحدته وسيادته على أرضه، إذا بنا نفاجأ باقتتال مروّع في السويداء من أطراف مختلفة تغذيها جهات إقليمية لا تريد الخير لسوريا.
وما حدث في السويداء ما هو إلا جرح نازف لأبناء سوريا، وما زالت تغذّيه عدد من وسائل الإعلام المأجورة، والتي لا تنقل الحقائق بسوريا، بل تستهدف تغذية الفتنة لتحقيق أطماع من يدعمهم وضمان استمرار تردّي الأوضاع بسوريا، مما دفع إسرائيل لاستغلال هذا الوضع لقصف مبانٍ سيادية والاعتداء على سيادة الدولة.
أتصور أن التجييش داخل الجغرافيا السورية، والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد من أطراف عديدة تضم ما يسمى بجيش العشائر العربية، والفصائل الدرزية، والمجموعات البدوية، حالة غير مقبولة، وهو ما دفع بالمجموعات الدرزية للمطالبة بفتح الطريق مع الكرد لمواجهة محاصرتها.
ومن المستقر أن أي سلطة أو نظام هو المعني بحماية كل فئات المجتمع، ولكن طريقة إدارة رئيس الانتقال السوري لم تكن موفقة في الجنوب، رغم نجاحه في اختطاف مكاسب من أمريكا، وانتزاعه قرارًا من واشنطن بخروجه وخروج سوريا من قوائم الإرهاب والعقوبات، ووعدٍ بتعاون اقتصادي يستهدف استعادة سوريا لانتعاشها الاقتصادي!!
ولأن المرحلة الانتقالية لم تنضج بعد في مواجهة التهديدات الخارجية، لذلك يستلزم الأمر الاحتياج للتنسيق مع الدول العربية الفاعلة، مع تعزيز الجبهة الداخلية، والمراجعة المستمرة لآليات المرحلة الانتقالية، وبخاصة فيما يتعلق بمشاركة كافة مكونات الشعب السوري، سواء بالحوار الوطني أو التمهيد لإعداد دستور جديد للبلاد.
وفي إطار المصالحة الداخلية، كلنا نتذكر اجتماع وفد شمال وشرق سوريا مع سلطة دمشق، والتوصل إلى عدد من النقاط، نأمل أن يتم ترجمتها على أرض الواقع والإسراع بها لتفادي تأخر لجنة المحاسبة والمراجعة، التي لم تصدر قرارها بعد في أزمة الساحل. وبالتالي، أمام اللجنة المركزية المكلّفة بإتمام الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية فرصة تاريخية لبدء التفاف السوريين لبناء الدولة السورية الجديدة.
من المأمول من السلطة الانتقالية الإسراع بلمّ الشمل وترميم الشرخ الواقع بالجبهة الداخلية، وضبط العناصر المقتتلة لضمان عدم استغلال داعش للوضع الداخلي الهش، ولمواجهة تدخلات الأطراف الإقليمية والدولية في الشأن السوري، وتفادي الآثار السلبية لـ14 عامًا من الحرب