بث تجريبي

سوريا من مأساة الساحل والسويداء إلى فرصة إعادة التأسيس

في لحظات التحول الكبرى، لا تأتي النهاية على هيئة نصر خالص أو هزيمة مطلقة، بل كإعلان غير مكتوب بأن الطريق القديم قد سُد، وأن على الجميع أن يعيد التفكير، لا فقط في مواقفه، بل في بنيان الدولة نفسها.

 هكذا يمكن أن نقرأ ما حدث في السويداء:

لم تكن معركة عسكرية بقدر ما كانت لحظة مفصلية في وعي مجتمع يرفض أن يُختزل إلى هامش أو تابع في نظام يصر على المركزية كعقيدة، لا كإدارة.

لقد انتهت مأساة السويداء، أو بالأحرى، وصلت إلى لحظة انفجارها الحتمي، بعد سنوات من التراكمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي دفعت الناس، بعفوية مدهشة، إلى إسقاط الخوف القديم، وطرد الجيش السوري من مدينتهم.

 هذا الخروج لم يكن عابرًا، بل كان خروجًا رمزيًا للدولة المركزية من وجدان الناس، وظهورًا علنيًا لقضية اللامركزية من الظل إلى صدارة النقاش الوطني.

من السويداء إلى الجزيرة، ومن درعا إلى شمال حلب، ثمة مشترك واضح:

 الكل ضاق ذرعًا بحكم لا يعترف بالهامش، ولا يقبل الشراكة، ولا يرى في التنوع السوري إلا عبئًا يجب طمسه.

ولكن السؤال الآن: هل ستسمع دمشق هذا النداء المتجدد؟

وهل تدرك أن لحظة إعادة التأسيس قد حانت، وأن الدعوة إلى مؤتمر وطني شامل لم تعد ترفًا سياسيًا، بل حاجة وجودية؟

والمطلوب اليوم ليس تسوية تقنية، بل اتفاق على جوهر الدولة الجديدة.

 دولة لا تنطلق من العقلية الأمنية والعملية الأحادية، بل من عقلية العقد الاجتماعي، حيث تكون السلطة موزعة، والقرار محليًا ومركزيًا في آنٍ معًا، وحيث تتمتع المناطق بحقوقها الإدارية والسياسية ضمن إطار سوري جامع.

وهذا ليس تنظيرًا، بل دعوة واقعية تُثبت صحتها كل يوم تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، رغم كل الضغوط، وتأكيدات الحراك المدني في السويداء بأن الحرية ممكنة، متى ما غاب القمع وظهر التنظيم.

إن ما حدث في السويداء لا يجب أن يُقرأ فقط كلحظة تمرد على سلطة متعالية، بل كدعوة لبدء صفحة سياسية جديدة، تكون فيها الدولة خادمة للمجتمع، لا متسلطة عليه. وعلى دمشق، إن أرادت أن تبقى حاضنة لكل سوريا، أن تدعو فورًا إلى مؤتمر وطني للحوار الجاد حول شكل الدولة، على أساس اللامركزية، والاعتراف بالتعدد، والقطيعة مع دولة الأجهزة الأمنية.

لقد انتهت الجولة في السويداء، ولكن الصراع على مستقبل سوريا لم ينتهِ.

والخيار الآن واضح:

 إما دولة تشاركية جديدة، أو انفجارات متتالية في الجغرافيا والتاريخ والهوية.

قد يهمك