بث تجريبي

مبادرة “السلام والمجتمع الديمقراطي” وموقف أردوغان

تظل مشكلة القضية الكردية في تركيا تكمن في موقف الحكومات التركية المتعاقبة منذ معاهدة لوزان عام ١٩٢٣ وحتى اليوم؛ والموقف هو عدم الاعتراف بحق الكرد في تقرير مصيرهم على أرضهم والحفاظ على هويتهم ولغتهم.

لقد ناضل الكرد في البداية من أجل دولة مستقلة في باكور كردستان “جنوب شرق تركيا” ذات الأغلبية الكردية، لكنها في السنوات الأخيرة، دعت إلى مزيدٍ من الحكم الذاتي وحقوق ثقافية أكثر شمولاً داخل البلاد، مع تبنّي رؤية القائد عبد الله أوجلان في مشروعه حول الأمة الديمقراطية؛ لأنه وخلال سنوات النضال الكردي؛ استشهد الآلاف ثم تم اعتقال الرمز الكردي والمفكر الشمولي عبد الله أوجلان منذ عام ١٩٩٩م.

ولأن القائد عبد الله أوجلان رجل سلام ومفكر إنساني؛ فقد أطلق عدة مبادرات من أجل حل القضية الكردية داخل تركيا وخارجها، خاصةً في سوريا؛ وأخر المبادرات بموافقة القائد أوجلان، ما جاء في شهر أيار ٢٠٢٥ عندما أعلن حزب العمال الكردستاني أنه سينهي جميع أنشطته المسلحة؛ ويحل نفسه بعد دعوة من القائد عبد الله أوجلان.

وقال حزب العمال الكردستاني في بيان في ذلك الوقت، “إن القضية الكردية وصلت إلى نقطة يمكن حلها من خلال السياسات الديمقراطية”، ثم تم تتويج ذلك؛ فقد شهدت المراسم التي أُقيمت في السليمانية يوم الجمعة ١١ تموز ٢٠٢٥، إحراق عدد من مقاتلي حزب العمال الكردستاني أسلحتهم، في لفتةٍ رمزية بسيطة، لكنها بالغة الأهمية، تمثل بداية نهاية الصراع مع الدولة التركية، الذي دام قرابة عدة عقود وأودى بحياة عشرات الآلاف.

وتجمّع سياسيون ومراقبون من جنسيات مختلفة لحضور المراسم التي أُقيمت في كهف أثري بالقرب من بلدة السليمانية، حيث وضع حوالي 30 رجلاً وامرأة أسلحتهم في مرجل كبير تم إشعال النار فيه لاحقاً.

وأعلن مقاتلو حزب العمال الكردستاني في بيانٍ عن عزمهم على مواصلة النضال من أجل الحرية؛ من خلال السياسات الديمقراطية والوسائل القانونية؛ وجاء في البيان: “نحن هنا، بمحض إرادتنا، وبحضوركم، ندمّر أسلحتنا”.

هذا وقد قامت القنوات الإخبارية التركية بتغطية المراسم بحماسٍ شديد، لأنها كما يرون خطوة تمثل نقطة تحول لا رجعة فيها؛ وعلامة فارقة في تاريخ النضال الكردي.

موقف رجب أردوغان

في أول تعليق من الرئيس التركي أردوغان، جاء مخيباً للآمال؛ قال: “آمل أن تكون الخطوة المهمة المتخذة اليوم على طريق تحقيق هدفنا المتمثل في (تركيا خالية من الإرهاب) وسيلة للخير، ونسأل الله أن يمنحنا فرصة لتحقيق أهدافنا في سبيل ضمان أمن بلادنا وطمأنينة شعبنا وإرساء السلام الدائم في منطقتنا” كما نقلت وسائل الإعلام المختلفة.

وهو تعليق أردوغاني مازال يفكر بعقلية القوة ويصف النضال الكردي بالإرهاب؛ وهو وصف يدل على غرور القوة؛ لأن الإرهاب الحكومي التركي كان سبب حمل السلاح والرد دفاعاً عن أنفسهم وهويتهم.

ورغم كل ذلك؛ نرى أن كل ما حدث هو من تعليقات أردوغان، هو في حد ذاته تطور إيجابي في العلاقة بين الكرد وتركيا بقيادة رجب أردوغان، ربما تصدق النوايا هذه المرة.

ثم تبقى أسئلة مشروعة تحتاج لإجابات تركية؛ منها حقوق الشعب الكردي في التعليم من خلال حكم ذاتي حقيقي موسع لتلبية الطموح الكردي داخل تركيا؛ وأيضاً الأهم هو موقف أردوغان من كرد سوريا فهو يحاربهم ويقتلهم؛ واستغل سقوط بشار الأسد ليحارب العلويين والدروز فضلاً عن الكرد؛ وقد هدد قسد بالدفن أحياء مع أسلحتهم إذا لم يسلموها؛ وبالفعل دخل الجيش التركي المناطق الكردية في سوريا؛ وانسحب مهزوماً تحت شدة المقاتلين الكرد؛ والمعنى هو رؤية أردوغان لكل الشعب الكردي في الدول المختلفة إنهم “إرهابيون”؛ وهو الذي كان يدخل باشور كردستان “الشمال العراقي” بحجة مهاجمة أعضاء حزب العمال الكردستاني.

على أية حال الكرة في ملعب رجب أردوغان؛ هل يستجيب لمبادرة الحزب الكردستاني المقاوم؛ وهل يُفرج عن المفكر عبد الله أوجلان؛ أم أنه لا يريد أن يدفع ثمن السلام.

تجاربنا مع أردوغان غير جيدة ولا ناجحة؛ ولكن من يدري ربما يصدق هذه المرة… وإن غداً لناظره قريب.

.... نقلاً عن صحيفة روناهي

قد يهمك