رغم مرور أكثر من 60 عاماً على إعدامه في ساحة المرجة بدمشق، لا تزال فصول قصة إيلي كوهين – أحد أشهر جواسيس إسرائيل في العالم العربي – تُكتب من جديد، وكان آخرها ما أعلنت عنه إسرائيل قبل أيام، من استعادة مقتنيات شخصية له من سوريا، في عملية مثّلت تطوراً رمزياً كبيراً في مساع تل أبيب لاستعادة تراث جاسوسها الذي اخترق قلب السلطة السورية.
من هو إيلي كوهين؟
من هو إيلي كوهين؟، السؤال الذي يشغل كثيرين حول الجاسوس الذي زرعه "الموساد" في المجتمع السوري بداية الستينيات، ما زال يمثل بالنسبة لإسرائيل رمزاً استخباراتياً بارزاً، حيث وصل إلى دوائر الحكم العليا في دمشق، حتى بلغ حد ترشيحه لمنصب نائب رئيس الجمهورية قبل أن يُكتشف أمره.
ورغم إعلان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقت سابق أن إسرائيل تبذل كل ما في وسعها لاستعادة رفاته، فإن الدولة العبرية نجحت أخيراً – ولو جزئياً – في تحقيق اختراق رمزي من خلال نقل متعلقاته الخاصة التي بقيت في سوريا لعقود، وهو ما يعكس استمرار الأهمية السياسية والمعنوية لهذا الملف بالنسبة لتل أبيب.
إيلي كوهين الجاسوس الذي اخترق النخبة
ولد إيلي كوهين في الإسكندرية عام 1924، لأبوين سوريين من مدينة حلب، وتربى في كنف أسرة يهودية متدينة. وانخرط في النشاط الصهيوني مبكراً، وانضم لشبكات تجسس إسرائيلية في مصر، قبل أن يغادر إلى إسرائيل عام 1957 بعد أزمة السويس.
هناك، بدأ رحلته مع "الموساد"، وجرى تأهيله ليُزرع في سوريا عبر هوية مزيفة باسم "كامل أمين ثابت"، رجل أعمال سوري عاد من الأرجنتين بحماسة قومية، وتمكن من التقرّب إلى كبار ضباط الجيش والنخبة السياسية والاجتماعية السورية.
واستطاع كوهين أن يبني لنفسه مكانة مميزة في قلب النخبة الحاكمة، بل وتشير بعض الروايات إلى أن اسمه طُرح لتولي منصب نائب رئيس الجمهورية، وهو ما يعكس حجم اختراقه داخل الدولة السورية.
معلومات إيلي كوهين مهّدت لاحتلال الجولان
وخلال وجوده في دمشق، نقل كوهين لإسرائيل معلومات حساسة عن تحركات الجيش السوري وتحصيناته في الجولان، لعبت دوراً محورياً في الاستعدادات الإسرائيلية التي سبقت حرب 1967 واحتلال مرتفعات الجولان.
ويُقال إن الجيش الإسرائيلي اعتمد بشكل كبير على تلك المعلومات في تحديد أهدافه وتكتيكاته خلال الحرب، وهو ما يمنح كوهين مكانة خاصة في الذاكرة العسكرية الإسرائيلية.
السقوط والإعدام
كُشف أمر كوهين عام 1965، وهناك تضارب في الروايات حول الجهة التي كشفت تجسسه؛ فبينما تشير مصادر إلى أن المخابرات المصرية رصدته في صور مع أمين الحافظ رئيس سوريا، تؤكد الرواية السورية الرسمية أن أجهزة الأمن السورية، بدعم فني من الاتحاد السوفيتي، هي من اكتشفته.
وبعد مراقبته، تم القبض عليه وأُعدم شنقاً في ساحة المرجة، في مشهد لا تزال إسرائيل تستحضره حتى اليوم.
نقل مقتنياته بعد 6عقود.. عودة "رمزية" إلى تل أبيب
وفي تطور جديد للقضية، أعلنت إسرائيل في مايو 2025 أنها استعادت مقتنيات شخصية تعود لإيلي كوهين من سوريا، دون الإفصاح الكامل عن كيفية الحصول عليها. هذه الخطوة تُعد جزءًا من سعي إسرائيلي طويل لإعادة رفاته، لكنها تحمل أيضًا دلالة رمزية قوية: فبينما لم تستطع إسرائيل استعادة الجسد، استعادت بعضًا من "الذاكرة".
عودة مقتنيات كوهين إلى إسرائيل تُعيد طرح قصة الجاسوس الذي أرّق دولة عربية مركزية، وتسلل إلى قلب السلطة، على طاولة النقاش، لا سيما أن قضيته لا تزال حاضرة في وجدان المؤسسة الأمنية الإسرائيلية كقصة "نجاح واختراق مأساوي".