بث تجريبي

الشرق الأوسط الأوجلاني

لا ريب أن "نداء السلام والمجتمع الديمقراطي" الذي أطلقه المفكر الأممي عبد الله أوجلان 27 فبراير – شباط 2025 يُعد نقلة نوعية وعلامة فارقة على مسار حل معضلات الشرق الأوسط. وثمة إجماع على أن القضيتين الكردية والفلسطينية تشغلان قمة معضلات الشرق الأوسط بعد هندسة الاستعمار للدول وأنظمة الحكم.

وبموجب اتفاقية سايكس – بيكو 1916 ومعاهدة لوزان 1923، تقاطعت في الشرق الأوسط الأزمات والصراعات والمصالح الإقليمية والدولية على خلفية ولادته القيصرية وحدوده المصطنعة دون مراعاة للشعوب الشرق أوسطية. ودخلت المنطقة، ولاتزال، في أتون الصراعات وعدم الاستقرار، وتزايدت التدخلات والقيودات، وتباينت المصالح والأهداف، وتصارعت الإرادات والإملاءات.

مهــد المدنيــة المركزيــة

وتكمن أهمية نداء السلام والمجتمع الديمقراطي الأوجلاني في كون منطقة الشرق الأوسط ذات أهمية جيوستراتيجية وجيوسياسية في قلب لعبة  المصالح بين الدول الكبرى، وبؤرة ملتهبة في شبكة التطورات الدولية والمتغيرات السياسية والاقتصادية. وفي المنظور الأوجلاني، وُلدت المدنية المركزية في قلب الشرق الأوسط، وإذا كان معظم المحللين والمنظرين قد ربطوا عضويًا بين أزمات الشرق الأوسط والاستعمار الغربي، فقد زاد عليهم أوجلان بأن مجتمعات الشرق الأوسط قد عانت من المشكلات على مر التاريخ، نظرًا لاضطرارها للرزوح دومًا تحت نير القمع والاستغلال الساحق للمدنية المركزية طيلة خمسة قرون أو ينيف. ولذا عانت في عدة ملفات وقضايا من قبيل المرأة، والعشيرة والإثنية والقومية، الدين والمذهبية، المدنية والبيئة، الطبقة والهرمية، الأسرة، السلطة والدولة، الأخلاق والسياسة والديمقراطية، والأيديولوجية والثورة.

وعلى النقيض تمامًا من الجدل السائر حول ماهية الشرق الأوسط وحدوده، فإن أوجلان يُفضَّل تقييمه كمنطقة ثقافية "قديمة" وليس كمجموعة بلاد لأنها قوة و بالأحرى أرضية لأصالة الثقافة الشرقية وتمثيلها. وقد ظلت المنطقة لردح من السنين بمثابة "القوة المهيمنة" للمدنية المركزية ". وبذا، لا يُمكن "نفاذ هكذا تاريخ بسهولة" حتى ولو سيطرت علية المدنية الأوروبية (الحداثة الرأسمالية)، ولو يُمكن انتزاع كل تراكماته الثقافية والمادية.

ولسبر أغوار كنه معضلات الشرق الأوسط وطرح حلول لها، غاص أوجلان في عدة قضايا متداخلة ومتشابكة من أمثال: الحياة الاجتماعية، الهرمية الاجتماعية والدولة، الهوية المجتمعية، المقدسات المجتمعية، الحقيقة الاجتماعية وفقدانها، أشكال الاغتراب، الحقيقة والاغتراب في الحداثة الرأسمالية، الاحتكارية الأيديولوجية للسلطة والدولة مستعرضًا التناقض العربي – اليهودي، وكذا، التناقضات التركية – الكردية – الأرمنية – الأشورية – الرومية – اليهودية، والتناقض السُني – الشيعي، تناقضات الدويلات القومية مع كل شئ. وثمة أنماط إشكاليات فندها مفكرنا الأممي على رأسها: الأكثريات والأقليات، الطبقات الاجتماعية والبيروقراطية، الثورة وقضية الهرمية والسلطة والدولة، انهيار المدينة والطبقة الوسطى ومجتمع الزراعة – القرية، السلالة والأسرة والسكان، المرأة وثورتها في الشرق الأوسط.

رؤى غيــر أوجــلانيـــة

ما قبل أوجلان، هناك رؤى ومشروعات إصلاحية أطلقتها دول وحركات ومنظمات وأحزاب لمعالجة معضلات الشرق الأوسط. فما هو حصادها؟

بداية، اتفقت هذه الأطروحات على مناهضة الاستبداد والجهل والتخلف، ونبذ الاختلاف والتفرقة والوقوف ضد النفوذ الغربي وتأثيراته، وركزت على  مسائل أفرزتها الأنظمة السلطوية من قبيل دولة مؤسسات، الفصل بين السلطات، بسط العدل، تكافؤ الفرص، التصدي للفساد والاستبداد والغلو والتفرقة، تشجيع ثقافة التسامح والحوار، ضمان الحريات الخاصة والعامة، حقوق الانسان، التداول السلمى للسلطة وعدم احتكارها، الشفافية والمحاسبة، تلبية حاجات الإنسان وحل المشكلات للتطور المستمر في الحياة. وبذا، استهدفت تغيير وتعديل الأوضاع نحو الأفضل دون الأكتراث بتباين أفكار ومعتقدات وثقافات وموروثات الشعوب. ومن المفارقات، ربطت مشروعات الإصلاح بوجود نخبة حاكمة يُناط بها عمليات الإصلاح، وتمتلك المصداقية والشرعية لدى الجماهير ناهيك عن جدية الحكومات والأنظمة في تنفيذها.

راهنت معظم الأطروحات الإصلاحية على الدول والنظم السياسية، وتجاهلت – أو بالأحرى أسقطت – الشعوب من حساباتها. وافتقرت إلى ديمقراطيات ذاتية، وأولت اهتمامًا ملحوظًا بقدسية الدين وإن كانت قد انتقدت توظيفة في المجال السياسي لصالح الأنظمة السياسية الحاكمة. وأثبتت المشروعات السابقة فشل فرض الإصلاح النخبوي بدعم القوى الأجنبية على حساب الشعوب تكريسًا للإستبداد والفساد.

هكذا، افتقرت مشروعات الإصلاح إلى أيديولوجية متجذرة رغم حسن نوايا بعض مهندسيها. واتضح جليًا أن تحديات الشعوب ومعضلات الدول تتطلب خلق ذهنية جديدة واعية. وقد اعتور المشروعات الآنفة اعتبار الشرق الأوسط تعبير استراتيجي وثيق الصلة برؤى الغرب لترتيبه وإعادة ترتبيه وفقًا لمتطلبات ومتغيرات إقليمية ودولية، وبذا، يظل رهينًا لها في الاتساع، والتضييق، وكذا، لا يوجد ارتباط عضوي بينها وبين طبائع وخصائص مكوناته البشرية. ورغم أن القوى المهيمنة تسعى إلى إحداث إصلاحات شكلية، فإنها لا ترقى إلى طموحات الشعوب. ولهذا، تبقى المنطقة في حالة خشونة وتوترات وصراعات ونزاعات وتدخلات في ظل نظام إقليميّ ودولي متواتر.

وليــد الشـــرق الأوســـط الشـــرعــــي

ورغم بريق بعض المشروعات المستوردة الجاهزة، فلا يُمكن زرعها عنوة في تربة الشرق الأوسط. وهنا، تحديدًا، تكمن أهمية مشروع أوجلان للسلام والمجتمع الديمقراطي. ويُعد هذا المشروع ابنًا شرعيًا أصليًا وأصيلاً وُلد من صلب الشرق الأوسط وفي رحمه انطلاقًا من تجارب نضالية ميدانية وفلسفات أيديولوجية متجذرة ومرنة في آن واحد. ومنطقيًا، رفض أوجلان تشخيص معضلات الشرق الأوسط وإيجاد حلولها وفقًا للأيديولوجيات والعلوم الوضعية للحداثة الأوروبية (الرأسمالية). وحتى الاستشراق، لا يمُكن الإيفاء بالغرض نظرًا لأن الدول القومية المصطنعة نالت من كل وأي ثقافة مستقرة أو جوالة.

إنها الدول القومية أم معضلات الشرق الأوسط في المشروع الأوجلاني. ولا تُعد الدول القومية نتاجًا مبتسرًا مشوهًا للهيمنة الرأسمالية فقط، ولكنها تحريفًا لسوسيولوجيا المجتمع التاريخي بتشابكاته التاريخية والاجتماعية والدينية والفكرية والعلمية والفنية. باختصار، التمكين من إنكار القسم الأكبر من الحقيقة بعد أن سارت ثقافة الشرق الأوسط على نهج الانتحار ووقفت على حافة الإفلاس.

والحصاد حتى الآن، وفقًا للمشروع الأوجلاني، عدد من الظواهر على رأسها الدولة الاستبدادية، ومن ثم، الاستيلاء على المجتمعات أو إبادتها أو حكمها عن طريق حروب نهب فوائض القيم الاجتماعية. وقد تسَّربت الدولة القومية حتى أدق مسامات المجتمع المحرَّمة. ولذا، تقتضى حلول معضلات الشرق الأوسط من كل نظام القيام قبل كل شيء بالمحاسبة الأيديولوجية الناجحة لذاته على صعيد القومية والجنسية والدينية والعلمية الوضعية. ومن المهم الإدراك بأن ثقافة الديمقراطية الذاتية حتمية كالغذاء والهواء، وينبغي تطويرها وفقًا لهذا الوعي.

وضرب أوجلان مثلاً بالعراق وسوريا ولبنان وإسرائيل. قبل عام 1920، لم تكن العراق – كدولة – موجودة على الخريطة؛ إذ أُنشِئت مراعاة للحاجات الإستراتيجية والمصالح النفطية للإمبراطورية البريطانية. ولم يُؤخذ وضع المكوَّنات الثقافية التي تحتويها بعين الحسبان إطلاقًا. ومثلما حال حدودها، فتواريخها وأناشيدها الوطنية وأعلامها وأنظمتها ومجتمعاتها التي تُسميها بالأمة؛ جميعها حُدَّدت ككيانات خيالية على مصالح القوى المهيمنة.

وبشأن سوريا، لا يُعرف تمامًا حتى كيف تم اختيار اسمها. فمنذ قرن وربع القرن، سرى اصطلاح "الولايات العثمانية" الأكثر تقليدية وربما الأكثر وضوحًا في معانيه. وبالعودة إلى الوراء في التاريخ، فلا نجد اسم الولاية ولا الوطن بهذا التقديس. وتأسيس لبنان المجاورة لها أكثر غرابة بدرجة يحتار فيها المرء في كيفية تهدئة أجواء الاشتباكات السائدة في هذه المنطقة. ويُعد تأسيس إسرائيل "أكثر إثارة بكثير" فهي إحدى الكيانات المصطنعة الدموية من الألف إلى الياء ومن المهد إلى اللحد.

بهذه الكيفية، لا تنسجم الدول القومية وحقائق المناطق والأقاليم والأمم والمدن والقرى. وبذا، لا مفر من وقوع تناقضات واشتباكات ونزاعات حادة فيما بينها نظرًا لعدم نشوئها على خلفيات العدالة والحرية. واستمرار هذا النمط بذاك المنطق يعني ديمومة الحرب والإبادة. ومنذ هيمنت الصناعوية على الشرق الأوسط، تضاعفت حالات التصحر والفقر والشح والبطالة والتلوث الجاري من البر إلى البحر وصعودًا إلى الجو.

البينــان الأوجـــلانـــي

تأسيسًا على هذا المنطق وذلك المنطلق، أقام أوجلان بنيان مشروعه الفكري في خمسة أسفار. ومع كل تطور إقليمي أو دولي أو حياتي، يُطوَّر ملامح مشروعه مع الحفاظ على أسس هيكله وبنيته. وغير مرة، يبعث من غيابات سجن إمرالي رسائل ونداءات تلو الأخرى. وليس نداء السلام والمجتمع الديمقراطي آخرها في فبراير – شباط الماضي.

ولما كانت القضية الكردية تقع في بؤرة معضلات الشرق الأوسط، فإن نداء السلام الأوجلاني سالف الذكر يُمثل نهاية البداية النضالية الميدانية. وفي عين اللحظة، بداية لنضال نوعي جديد للإستمرارية في إثبات الحقوق الكردية وفق استراتيجيات وآليات الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين. ويتسم هذا النداء بمرونة وحيوية وواقعية بعيدًا عن القوالب الصماء. ولاستيعاب هذا النداء – المشروع، يجب عدم تجزئته أو رؤيته بعين أحادية. ويجب اختباره من الجوهر قبل المظهر بعيدًا عن النظم التقليدية أو الأفكار الهرمية، وبعيدًا عن النمطية والتسطيح وضيق الأفق والأحكام المقولبة.

فلسفة نداء السلام الأوجلاني موجه صوب أدوات الأحادية والمركزية والإنكارية التي انتهجتها الدولة التركية منذ قرن ونيف لإعادة هيكلتها. وفي نفس التوقيت، نداء السلام بمثابة إعادة هيكلة متبادلة وقاعدة للتحوُّل الاجتماعي. فإذا كان حزب العُمال الكردستاني المناضل من أجل الحقوق الكردية قد أغلق باب النضال المسلح وفتح أبواب السياسة الديمقراطية، ففي المقابل، يجب على الدولة التركية تعبيد الطريق إلى تنظيم وتطوير الهوية والثقافة والحريات. وفي حركة داخلية وحتمية، استجاب الحزب لتحديات عصرية ضرورية تلبية للتحولات التاريخية والاجتماعية والأيديولوجية.

المستقبــل ابـن المـاضـــي والحـــاضــــر

ولاستيعاب العلاقات الكردية التركية الآن، ينبغي العودة إلى العصور الوسطى عندما تم تشكيل تحالفات طوعية ومصالح مشتركة منذ وطأ الأتراك الأناضول. ونجم التحالف عن هزيمة بيزنطة (1071) وحافظ الكرد على إدارتهم الذاتية داخل النظام القائم. وتكرَّر ذات السيناريو إبان السلطان العثماني سليم الأول زمن العثمانية، ونجح الكرد في تطوير إدارتهم الذاتية تحت العباءة العثمانية. وأثناء عمليات تحرير الأناضول، تحالف الترك والكرد في  مؤتمريّ سيواس وأرضروم (1921) لتأسيس جمهورية.

وتُعد هذه المراحل بمثابة اتحاد سوسيولوجي وإستراتيجي ومصير مشترك أكثر منه اتحاد سياسي. وما بعد لوزان 1923، تم انكار منح إدارة ذاتية للكرد والعيش معًا على أساس المساواة من خلال صيغة الدولة - القومية التي خلقت الأحادية والمركزية والتجانسية.

وقد طرح أوجلان التجارب التاريخية لبيان حتمية إلغاء التباعد الكبير المتمثل بالإنكار وكيفية إعادة تأسيس هذا التحالف اجتماعيًا ونقله إلى المستقبل. وبذا، من خلال احترام الحقوق الكردية التاريخية يُمكن مواجهة عملية إعادة صياغة الشرق الأوسط الذي يُعاني من "أزمة خطيرة للغاية". لعدم مشاركة الكرد فيه. وقد تضرَّرت العلاقات الكردية – التركية في القرن العشرين جراء النظام الرأسمالي الذي طوَّر القوموية والنمط الأحادي والدولة- القومية والصناعوية والربح المفرط. ولذا، خلقت ممارسات الإنكار والإقصاء والتفكيك والإبادات جدرانًا عقلية وروحية ومادية بين الشعوب.

وقد تمخضت التجارب السالفة عن ميلاد مؤسسات سياسية لم تُغيَّر "منطق الإدارة" الذي حافظ دومًا على عقلية سلطة الدولة، ولم تتمكن الشعوب من التغلب على هذه العقلية. ورغم أن ثمة نقاشات دارت حول كيفية إدارة المجتمع ذاتيًا، فقد تمت عرقلة تطور أشكال بديلة للإدارة. واعتمدت كل الأطروحات على تقاسم الإمكانات والسلطات، وحماية النظام، وسيطرة أقلية وطبقة ما، وإدارة المجتمع من قبل مجموعات حاكمة معينة من خلال تهميش شكل المشاركة في الديمقراطية وآليات الإدارة الذاتية؟ ولا تعكس قوة التطوُّر الداخلي للمجتمع الديمقراطي.

ولهذا، ارتأى أوجلان واستمات في الدفاع عن حتمية تطوير النماذج الإدارية المختلفة استنادًا إلى سوسيولوجيا المجتمع التاريخي. ففي إطار استراتيجية الحداثة الديمقراطية والحضارة الديمقراطية، راهن أوجلان في صياغة الشرق الأوسط قيد مخاض الميلاد على تطوير نموذجه الخاص بشأن الإدارة الذاتية المتسقة مع سوسيولوجيا المجتمع التاريخي. وبمزيد من التفصيل، يُريد المفكر الأممي المناضل تطوير أشكال الإدارة الذاتية الموجودة في إطار قانون التطور الداخلي للمجتمعات وتكييفها مع العصر الحديث، ومن ثم، تطوير الوسائل الأكثر نقاءً لتحقيق هذا الهدف.

العقليـــة الديمقـــراطيــــة

وحسب المشروع الأوجلاني، ليست المجتمعات مجرد هياكل ثقافية أو عرقية، بل هي هياكل متعددة الأبعاد، وتحتوي على مجموعة واسعة من الفروقات، ويجب أن تكون نماذج الإدارة أيضًا متوافقة ومتكافئة لهذه الحقائق وتلك الوقائع. وتُعد العقلية الديمقراطية أساس الرؤية الأوجلانية، وقوام نظام الإدارة – الذاتية المنظمة، والتي تعتمد على مشاركة المجتمع في عملية الإدارة بآلياتها الداخلية.

وتمكن المسألة الأساسية في كيفية تطوير المجتمع لنموذج الإدارة الخاص به بما يتماشى مع آلياته الخاصة. وبذا، تُعد الإدارة بمثابة تعبير داخلي عن التنظيم الاجتماعي وليست ظاهرة خارجية. وينبغي أن تتجاوز أشكال الإدارة الذاتية الأشكال والهيئات التي تُديرها سلطة خارجية، ولا يُمكن للمجتمع الديمقراطي أن يُبنى إلا إذا قام بإنشاء أجهزة إدارية- الذاتية وشارك بشكل مباشر في عمليات صياغة القرار دون أن يكون تابعًا للدولة والسلطة والهياكل المركزية.

وفي المشروع الأوجلاني للسلام، تُمثل الإدارة الذاتية الديمقراطية التطبيق المباشر للديمقراطية التشاركية، فالوحدات والمؤسسات والمجالس الناجمة عن الآليات الداخلية للمجتمع تُفعَّل مراحل صُنع القرار بحرية، دون أن تخص سلطة هرمية، وبذا، تكون بمثابة جهاز حي للمجتمع التاريخي، وبنية متجددة باستمرار ومرنة وحيوية. والخلاصة، وسيلة لإعادة المجتمع إلى طبيعته الحقيقية من جديد. ولبلوغ هذه الغاية، تعمل على تطوير آلية مرنة وحيوية وقادرة على التكيُّف مع الظروف المحلية، لذلك، فالوسائل الموجودة لا تحتوي على البنية اللازمة لتلبية هذا الغرض؛ إذ يُمكن الاستفادة منها ولا يُمكن أن تكون الأساس.

والإدارة الذاتية مسألة وعي اجتماعي ومشاركة عملية. وإذا لم يعتد المجتمع على آليات المشاركة الديمقراطية المباشرة ويفهمها ويستوعبها، فلا يُمكنه  التخلص من الهياكل السلطوية. وفي روشتة العلاج الأوجلاني لعلاج معضلات الشرق الأوسط وفي مقدمتها القضية الكردية، وكذا الفلسطينية، ينبغي فتح المجال نظريًا وعمليًا للتغلب على الإنكار الصارم وفتح مجال للرؤية.

ونظرً لأن أنظمة الشرق الأوسط الرأسمالي لن تختفى  بين ليلة وضحاها، فالحل الأوجلاني الأمثل قيام المجتمع. بخلق مجالات ديمقراطية داخل الأنظمة القائمة باستخدام قوته الذاتية؛ أي التحوُّل من الداخل. كما أن الطريق إلى إعادة المجتمع إلى طبيعته الحقيقية من جديد هو العمليات الديمقراطية التشاركية، ومن خلالها يُصبح المجتمع واعيًا منظمًا، ويكتسب الخبرة والمعرفة، ويُطوَّر التضامن الاجتماعي، ويخلق الأفراد الأحرار، ويكتسب الخبرة لإدارة  أنفسهم.

وخلاصة الخلاصة في الروشتة الأوجلانية، تُعد الإدارة الذاتية التجسيد الملموس للمجتمع الديمقراطي، ولذا، فالدولة ليست ضرورة، بل هي شكل من أشكال الإدارة التي تتطور ضد الإدارة الذاتية، وبدونها يصبح المجتمع مجرد شئ يتطلب الحكم عليه.

وفي الختام، يكمُن مفتاح حل معضلات الشرق الأوسط في الإدارة  الذاتية التي تُعد الشكل العملي لمفهوم المجتمع الديمقراطي. ولمزيد من التفاصيل، نعود لنقرأ مجدَّدًا نداء السلام والمجتمع الديمقراطي في طبعته الأوجلانية المزيدة والمنقحة.

... المقال نقلاً عن مجلة الأمة الديمقراطية

 

قد يهمك