توجد عدة مسارات واقعية يمكن أن تساعد بلادنا على تجنّب مصير التقسيم، خاصة في ظل الحرب الحالية وتشظّي السلطة والمجتمعات. أوجزها في خمسة محاور مترابطة:
أولًا / بناء عقد سياسي جديد شامل
لماذا؟
لأن الحكومات الوطنية المتعاقبة منذ الاستقلال قامت على إقصاء أطراف سودانية واسعة، ما أدى إلى التمرّد والحروب، إذا غُضّ النظر عن الغبن المتراكم. بالتالي، ما المطلوب؟
لا بدّ من إطلاق حوار وطني حقيقي تشارك فيه الأطراف المتحاربة، الفاعلون المحليون (المجتمعات المحلية)، الأقاليم، القوى المدنية، لجان المقاومة الممثلة للقوى الشبابية الفاعلة في ثورة ديسمبر المجيدة، الأحزاب السياسية، والإدارات الأهلية، مع ضمانات إقليمية ودولية.
الاتفاق على أسس دولة لا مركزية (فيدرالية أو لامركزية متقدمة) تُشرك الأقاليم في السلطة والثروة، إذ لا مجال لتركها على هامش الدولة مجددًا. كذلك صياغة دستور جديد يراعي التنوع الثقافي واللغوي والإثني ويؤسّس لمواطنة بلا تمييز.
ثانيًا / وقف الحرب وتفكيك اقتصادياتها، لماذا؟
لأن استمرار الحرب الحالية قد يُنتج حدودًا فعلية على الأرض قد تتحول لاحقًا إلى حدود سياسية، على الرغم من أن الحكومة الموازية تقول بوحدة السودان.
عليه، فما المطلوب الآن؟
وقف إطلاق نار مُراقَب دوليًا وليس محليًا فقط.
منع الأطراف من ترسيخ كيانات موازية (إدارات، جبايات، جيوش محلية).
إدارة مشتركة للموارد الاستراتيجية (الذهب، النفط، الموانئ، الحدود) خلال الفترة الانتقالية لمنع أي إقليم من بناء اقتصاد مستقل يقوده للتفكير في الانفصال.
ثالثًا / إعادة بناء الدولة المركزية على أسس مهنية، لماذا أيضًا؟
لأن الانهيار المؤسسي يعني عجز الدولة عن فرض سيادتها، وهذا أكبر محفّز للانقسام. فما المطلوب بالتالي؟
إصلاح الجيش والأجهزة الأمنية عبر دمج قوات الدعم السريع والحركات المسلحة وفق ترتيبات أمنية محددة وواضحة ومدى زمني محدد.
إعادة بناء الخدمة المدنية وتحييدها سياسيًا لاستعادة وظائف الدولة الأساسية: التعليم، الصحة، جميع المؤسسات العدلية والقضاء، والإدارة المحلية.
تفعيل السلطة القضائية المستقلة كضمانة لوحدة الدولة وحماية الحقوق.
رابعًا / معالجة جذور المظالم التاريخية، لماذا؟
لأن السودان فيه أكثر من سبب لأن يتفكك بغضّ النظر عن الحرب الدائرة حاليًا، فهناك شعور مزمن بالظلم وعدم العدالة في دارفور، النيل الأزرق، الشرق، وكردفان. بالتالي، فما المطلوب إذًا؟
عدالة انتقالية واقعية تشمل: كشف الحقائق، جبر الضرر، التعويضات، ملاحقة الانتهاكات الجسيمة.
مشاريع تنموية كبرى في الأقاليم المهمّشة تخلق شعورًا بالانتماء وتجعل الوحدة أكثر منفعة من الانفصال.
تمكين الثقافات المحلية وإتاحة التعليم بلغات المجموعات القومية إلى جانب العربية.
خامسًا / إعادة تعريف الهوية السودانية بصورة جامعة
ويمكن أن نقول: لماذا؟
لأن الإقصاء الممارس للهويات في السودان على مدى عقود لا يمكن أن يُسمح له بالاستمرار. هذا الإقصاء يمكن أن يُستغل سياسيًا لتبرير الانفصال. فما المطلوب؟
خطاب وطني جامع يعترف بتعدد الهويات ولا يجعل أيًا منها فوق الأخرى.
إصلاح المناهج التعليمية لتشمل تاريخ وثقافات كل الأقاليم.
تعزيز ثقافة السودانوية باعتبارها إطار العيش المشترك.
نخلص إلى أن السودان يمكنه تجنّب التقسيم إذا نجح في أربع معارك كبرى:
إيقاف الحرب قبل أن تُنتج واقعًا سياسيًا جديدًا.
إعادة بناء الدولة بمؤسسات مهنية موحّدة.
تنظيم علاقة عادلة بين المركز والأقاليم عبر لامركزية حقيقية.
معالجة المظالم والاعتراف بالتنوع لتأسيس عقد اجتماعي جديد.
أ. د. هداية البصري
لو عايز أحوّله إلى خبر، مقال قصير، أو صياغة صحفية جاهزة للنشر، قولّي يا عامر وأنا أرتّبه لك فورًا.
فضاءات الفكر
منبر الرأي