بث تجريبي

دوغان جيهان تكتب: هل وجّهت بريطانيا رسالة إلى تركيا عبر “الجيش الوطني السوري” في سوريا؟

أثار تقدّم تركيا من حلب باتجاه الجنوب عبر حماة انزعاج إسرائيل، الأمر الذي أدّى إلى صدور قرار بفرض عقوبات، عبر بريطانيا، على قادة ومجموعات مرتبطة بتركيا، ويمكن تفسير ذلك على أنه رسالة سياسية من إسرائيل إلى تركيا عبر بريطانيا.

بعد مرور أسبوع واحد فقط على تغيير النظام في سوريا، اتخذت بريطانيا – المعروفة بأنها من أبرز داعمي نظام الجولاني – قرارًا باستهداف قادة رفيعي المستوى ومجموعات مسلّحة تُعدّ القوة المحرّكة لما يُعرف بـ«الجيش الوطني السوري» المرتبط بتركيا.

وجاء هذا القرار في وقت لم يكن متوقَّعًا فيه اتخاذ خطوة كهذه ميدانيًا، ما لفت الانتباه، لا سيما أن بريطانيا تُعرَف منذ مسار إدلب بأنها استثمرت بقوة في الجولاني وأسهمت عمليًا في تعزيز موقعه.

وقد اعتُبر فرض العقوبات على قادة ومجموعات أعلنت مبايعتها للجولاني وانضمامها إلى وزارة الدفاع التابعة لنظامه رسالةً سياسيةً واضحة.

دور بريطانيا في سوريا

يُنظر إلى دور بريطانيا في سوريا وتأثيرها على نظام الجولاني، إلى جانب الخطط والمشاريع التي وضعتها للجماعات الجهادية، بوصفه دورًا حاسمًا في مسار إسقاط نظام الأسد.

فقد لعبت بريطانيا دورًا محدِّدًا في سقوط النظام وفي نقل نظام الجولاني من إدلب إلى دمشق. ولم تُحدِث بريطانيا حتى الآن تغييرًا جذريًا في مقاربتها التاريخية للشرق الأوسط على مستوى الذهنية، وتسعى اليوم إلى مواصلة تقاليدها الممتدة منذ مئة عام بالحفاظ على نفوذها في سوريا والتأثير في النظام القائم.

وتشير مصادر عديدة إلى أن مستشار الأمن القومي البريطاني، جوناثان باول، أجرى مع الجولاني – قبل وصوله إلى دمشق وقبل أن يصبح “الشرع” – نقاشات مكتوبة حول شكل سوريا المستقبلية، ووقّع معه نصوصًا مكتوبة بهذا الشأن. ويُعرف أن إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة وعددًا من دول الخليج كانت على علم بهذه اللقاءات.

كما أفادت تقارير بأن وثائق تلك المباحثات تناولت أيضًا شكل «الجيش السوري الجديد». حتى إن دور بريطانيا في تأسيس نظام الجولاني في سوريا وُصف بأنه «المهندس الخفي».

وفي هذا السياق، عيّنت بريطانيا الدبلوماسية آن سنو بعد وصول نظام الجولاني إلى دمشق، وأقامت معه علاقة مباشرة، مقدِّمة التوجيه والإرشاد. وتسعى بريطانيا إلى قيام سوريا مركزية قوية بقيادة الجولاني. غير أن فرضها اليوم عقوبات على قائدين بارزين ومجموعات انضمت إلى الجيش الذي تسعى إلى تشكيله يثير تساؤلات واسعة.

رسالة بريطانيا

يثير قرار العقوبات هذا تساؤلات كثيرة حول أسبابه، خصوصًا أن بريطانيا تُعد من أبرز داعمي نظام الجولاني. وبالتالي، فإن اتخاذ قرار يمسّ تركيا مباشرة يُقرأ في سياق الدبلوماسية والسياسة بوصفه رسالة واضحة، فبريطانيا تواصل فتح الطريق أمام نظام الجولاني لبناء جيش مركزي قوي ومؤسسات دولة متماسكة، وتذهب بعض الادعاءات إلى أنها تقدّم له استشارات في دمشق عبر مراكز أبحاث مدنية.

وفي المقابل، تعكس تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ووزير الدفاع يشار غولر انطباعًا بأن أنقرة تنظر إلى سوريا وكأنها ولاية تابعة لها. ويجري التحدّث باسم الجولاني، ولا سيما في حلب ومحيطها، حيث تُتخذ قرارات في مجالات الاقتصاد والتعليم وغيرها بدلًا عنه.

عسكريًا، باتت حلب ومحيطها خاضعة فعليًا للسيطرة من خلال دمج مجموعات «الجيش الوطني السوري» على شكل فرق ضمن الجيش السوري. وفي الوقت الذي تسعى فيه تركيا باستمرار إلى التمدّد نحو جنوب سوريا، كانت بريطانيا قد دخلت في تفاهم مع إسرائيل خلال عملية نقل نظام الجولاني إلى دمشق.

وقد أزعج تقدّم تركيا من حلب عبر حماة باتجاه الجنوب إسرائيل، ما أسفر عن قرار بفرض عقوبات – عبر بريطانيا – على قادة ومجموعات مرتبطة بتركيا، ويمكن تفسير ذلك على أنه رسالة سياسية من إسرائيل إلى تركيا عبر بريطانيا.

ورغم أن هؤلاء القادة والمجموعات أعلنوا مبايعتهم للجولاني وانضمامهم إلى الجيش السوري، فإن الواقع الميداني يشير إلى عكس ذلك؛ إذ يواصلون العمل وفق سياسات وتعليمات تركيا في سوريا، مستفيدين من اسم وقوة الجيش السوري.

القادة والمجموعات المشمولة بالعقوبات

فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على لواء السلطان سليمان شاه وقائده أبو عمشة، وفرقة حمزة وقائدها سيف بولاد، إضافة إلى فرقة السلطان مراد، وجميعها مجموعات مرتبطة بتركيا أُدرجت ضمن الجيش الجديد لنظام الجولاني، واستند القرار إلى ارتكاب مجازر بحق العلويين في المناطق الساحلية في آذار/مارس 2025، وإلى انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني خلال سنوات الحرب.

الفرقة 62 (لواء السلطان سليمان شاه / أبو عمشة)
تعمل هذه الفرقة ضمن مظلة «الجيش الوطني السوري» المرتبط بتركيا، وشاركت خلال الحرب في عمليات ضد الأكراد إلى جانب الجيش التركي. يقودها محمد حسين الجاسم (أبو عمشة) من محافظة حماة.

وتُتهم مجموعته بارتكاب عمليات خطف وتعذيب وقتل بحق المدنيين، خصوصًا في عفرين وسري كانيه وكري سبي، وأخيرًا في منبج وسد تشرين، فضلًا عن مسؤوليتها عن إعدامات تعسفية بحق علويين في الساحل في آذار/مارس 2025.

الفرقة 76 (فرقة حمزة / سيف بولاد)
تنشط في حلب ومحيطها، وتتكوّن بغالبيتها من تركمان. يقودها سيف بولاد أبو بكر، الذي تولّى قيادة الفرقة عام 2016، وشارك بفاعلية في الهجمات ضد الأكراد، وهي خاضعة للعقوبات بسبب انتهاكات شملت التعذيب وفرض الإتاوات والتهجير القسري بحق المدنيين في عفرين وحلب.

الفرقة 72 (لواء السلطان مراد)

تتمركز في منطقة حلب، وشُكّلت من اندماج خمسة تنظيمات مرتبطة بتركيا. يقودها فهيم عيسى، ذو الأصول التركمانية، الذي عُيّن نائبًا لوزير الدفاع وقائدًا للمنطقة الشمالية.

شاركت هذه المجموعة في هجمات ضد الأكراد في عفرين ومناطق أخرى، كما أُرسل مقاتلوها، بتوجيه تركي، إلى ليبيا وناغورنو كاراباخ. ويُعرف اللواء بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، من اعتقالات تعسفية وسوء معاملة.

ورغم تعيين قادة هذه الفرق الثلاث كقادة فرق في الإدارة السورية الجديدة ومنحهم رتبة عميد، فإنهم أُدرجوا على قائمة العقوبات البريطانية بسبب الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين.

وأخيرًا، فإن هؤلاء القادة والمجموعات معروفون بأنهم تلقّوا التدريب والتسليح والدعم المستمر من تركيا ضمن برنامج «التدريب والتجهيز» منذ اندلاع الحرب السورية.

وقد تحرّكوا لسنوات وفق الخطط التركية، وأجروا زيارات متكررة إلى تركيا والتقوا مسؤولين سياسيين، ولعبوا أدوارًا عسكرية رفيعة في تنفيذ السياسات التركية في سوريا، لذلك، لا يمكن فصل هذه العقوبات عن سياسات تركيا في سوريا أو النظر إليها بمعزل عنها.


 

قد يهمك