في حوار موسّع لموقع "المبادرة" مع الأستاذة الدكتورة سوزان القليني، عضو المجلس القومي للمرأة في مصر، تكشف عن تحوّل نوعي شهدته مصر خلال السنوات الأخيرة في مواجهة العنف ضد المرأة، سواء على مستوى الوعي المجتمعي أو تطوير الأطر القانونية والمؤسسية.
وتؤكد سوزان القليني أن قضايا المرأة لم تعد "شأنًا عائليًا" بل أصبحت جزءًا من الخطاب العام، فيما يلعب الإعلام دورًا مزدوجًا بين دعم الوعي وإعادة إنتاج التنميط.
وتشير إلى أهمية تفعيل الأكواد الإعلامية، وتطوير آليات المساءلة، وتعزيز قدرات المؤسسات في التعامل مع بلاغات العنف، إلى جانب ضرورة شراكات واسعة بين الدولة والمجتمع المدني لضمان حماية شاملة للمرأة.
إلى نص الحوار:
*بداية، كيف ترين وضع العنف ضد المرأة في مصر اليوم مقارنة بالسنوات الماضية؟ وهل هناك تغيّر حقيقي في الوعي المجتمعي؟
- أستطيع أن أقول بثقة إن وضع العنف ضد المرأة في مصر اليوم يختلف تماماً عما كان عليه قبل عشر أو حتى خمس سنوات. لسنا أمام اختفاء للظاهرة، لكننا أمام نقلة نوعية في الوعي والتعامل معها. اليوم أصبح العنف ضد المرأة قضية مطروحة على السطح، تُناقَش في الإعلام، وتُتناوَل في الدراما، وتُواجَه بقوانين وإجراءات، ولم تعد "أمرًا عائليًا خاصًا" كما كان يُقال سابقًا. نسبة الإبلاغ عن حالات العنف ارتفعت، ليس بالضرورة لأن العنف زاد، بل لأن النساء أصبحن أكثر وعيًا بحقوقهن، وأكثر ثقة في المنظومة القانونية والمؤسسية التي تحميهن. كما لدينا اليوم خطاب رسمي واضح يرفض العنف، ومؤسسات وطنية تتحرك، ورأي عام بدأ يربط بين كرامة المرأة وكرامة المجتمع كله.
*بصفتك عضواً في المجلس القومي للمرأة ومهتمة كذلك بالإعلام، ما أبرز أشكال العنف الإعلامي أو الرمزي التي تتعرض لها المرأة؟
- العنف الإعلامي أو الرمزي ربما يكون أكثر خطورة من العنف المباشر، لأنه يشكّل الوعي والعقل الجمعي. وأبرز أشكاله في وسائل الإعلام: تنميط صورة المرأة في أدوار محدودة: الزوجة الخاضعة، أو الأم المضحية فقط، أو الفتاة السطحية. تقديم المرأة كجسد قبل أن تكون عقلًا وخبرةً وكفاءةً، من خلال التركيز المفرط على الشكل والمظهر. كذلك تسفيه طموح المرأة أو السخرية من المرأة القيادية، وكأن النجاح والسلطة حكر على الرجال. التبرير الضمني للعنف في بعض الأعمال الدرامية، عندما يُقدَّم ضرب الزوجة أو إهانتها كأمر عادي أو "من حق الزوج". كل هذه الأشكال تكرّس صورة غير عادلة، وتعيد إنتاج ثقافة تقبل العنف أو تبرره.
*هل توجد سياسات إعلامية واضحة تلزم المؤسسات الصحفية والمرئية بتناول قضايا المرأة دون تنميط أو إساءة؟ وكيف يمكن للإعلام أن يلعب دوراً أكثر تأثيراً؟
- نعم، هناك أكواد ومدونات سلوك إعلامية، كما وضعت لجنة الاعلام بالمجلس الثومي للمراة منذ عام 2018 الكود الاعلامي لمعالجة قضايا المراة في وسائل الاعلام، يتضمن ضوابط لتناول قضايا المرأة، وترفض خطاب الكراهية والعنف والتمييز. كما أن المجلس القومي للمرأة شارك في عدد من هذه الجهود وأصدر توصيات عدة في هذا الإطار. لكن التحدي الحقيقي ليس في وجود الوثائق، بل في تفعيلها والتزام المؤسسات بها.
*كيف يمكن القيام بذلك؟
- من خلال: تدريب الإعلاميين والصحفيين على حساسية قضايا النوع الاجتماعي. وإدماج هذه المعايير في السياسات التحريرية داخل المؤسسات نفسها. ووجود آليات واضحة للمساءلة والشكوى عند تجاوز هذه المعايير. الإعلام يمكن أن يكون شريكًا أساسيًا في تغيير الثقافة المجتمعية، إذا قدّم نماذج إيجابية، وروى قصصًا حقيقية لنساء مكافحات، وتناول قضايا العنف بجدية ومهنية، بعيدًا عن الإثارة والتهويل والاستغلال.
*برأيك، ما مدى التزام الدراما المصرية بمدونة السلوك الخاصة بمناهضة العنف ضد المرأة؟ وهل هناك رقابة فعّالة على المحتوى؟
- لا نستطيع أن نعمم؛ هناك أعمال درامية راقية قدمت نماذج قوية للمرأة ورفضت العنف صراحة، وساهمت في خلق حالة وعي إيجابية، وهناك أعمال أخرى ما زالت بحاجة إلى مراجعة. مدونة السلوك الخاصة بمناهضة العنف ضد المرأة تمثل إطارًا مهمًا، لكن الالتزام بها متفاوت.
*إذن ما المطلوب؟
- المطلوب أن تكون هذه المدونة جزءًا من عملية إنتاج العمل منذ مرحلة الفكرة والسيناريو، لا مجرد ورقة لاحقة. وتعزيز آليات الرقابة المهنية، ليس بمعنى المصادرة، ولكن بمعنى التصحيح والتوجيه. وتشجيع صُنّاع الدراما على استشارة خبراء في قضايا المرأة، حتى لا تتحول بعض المشاهد إلى تطبيع مع العنف أو إعادة إنتاجه في صورة ترفيهية.
*ما أكثر التحديات التي تواجهها المؤسسات الرسمية عند التعامل مع بلاغات العنف ضد المرأة أو نشرها إعلامياً؟
- هناك عدة تحديات متشابكة، من أهمها: ثقافة الصمت والخوف؛ كثير من السيدات يترددن في الإبلاغ خوفًا من الفضيحة، أو من فقدان الأطفال، أو من الضغوط الأسرية. والحاجة إلى التنسيق بين جهات متعددة: شرطة، نيابة، طب شرعي، مؤسسات دعم نفسي واجتماعي، وهذا يتطلب منظومة متكاملة وسريعة. التوازن بين حق المجتمع في المعرفة وحق الضحية في الخصوصية والكرامة عند تناول البلاغ إعلاميًا. مواجهة التناول غير المهني في بعض وسائل الإعلام أو السوشيال ميديا التي قد تكشف هوية الضحية أو تبرر العنف. لهذا نحتاج دائمًا إلى بروتوكولات واضحة بين المؤسسات الرسمية والإعلام تضمن حماية الضحية أولًا.
*هل تعتقدين أن العقوبات الحالية على من يمارس العنف الإلكتروني ضد النساء كافية؟ وما التطوير المطلوب؟
- العقوبات القانونية الخاصة بالعنف الإلكتروني تطورت خلال السنوات الأخيرة، وأصبح لدينا نصوص تُجرّم التشهير، والابتزاز الإلكتروني، وانتهاك الحياة الخاصة. لكن من وجهة نظري، ما زلنا بحاجة إلى: تسريع إجراءات التقاضي في قضايا العنف الرقمي، لأن بطء الإجراءات أحيانًا يزيد من معاناة الضحية. تعزيز قدرات وحدات متخصصة في الأمن السيبراني لملاحقة الجرائم الإلكترونية بسرعة وكفاءة. توعية الفتيات والسيدات بحقوقهن القانونية وكيفية الإبلاغ عن هذه الجرائم. إدماج موضوع العنف الإلكتروني في حملات التوعية الوطنية، باعتباره امتدادًا للعنف التقليدي لكن بأدوات مختلفة.
*كيف تقيّمين دور منصّات السوشيال ميديا في نشر الوعي بقضايا العنف؟ وهل هي عامل داعم أم مسبب لزيادة الانتهاكات؟
- منصات السوشيال ميديا سلاح ذو حدّين. من ناحية، كانت ولا تزال مساحة مهمة للنساء كي يحكين قصصهن، ويطلبن المساعدة، ويطلقن حملات مجتمعية ترفض العنف، وتضغط من أجل التغيير. ومن ناحية أخرى، هي منصة أيضًا للتحرش، والتشهير، والابتزاز، والتنمر، ونشر خطاب الكراهية. الفيصل هنا هو كيف نستخدم هذه المنصات: إذا ربطناها بالتوعية، والتعليم، ونشر المعلومات الموثوقة، وتفعيل القوانين، فستكون عاملًا داعمًا. أما إذا تُركت دون ضوابط، أو ظل مستخدموها يشعرون بالإفلات من العقاب، فستتحول إلى مساحة خصبة لمزيد من الانتهاكات.
*ما الجهود التي يعمل عليها المجلس القومي للمرأة حالياً لرفع مستوى الوعي بقضايا النوع الاجتماعي؟
المجلس القومي للمرأة يعمل على أكثر من مسار في الوقت نفسه، من بينها: حملات توعية وطنية في القرى والمدن، تستهدف النساء والرجال والشباب، لشرح معنى المساواة وعدم التمييز ومخاطر العنف. وبرامج تدريبية للإعلاميين، والقائمين على إنفاذ القانون، والقيادات المحلية، حول قضايا النوع الاجتماعي وكيفية التعامل مع الضحايا. ودعم وحدات استقبال حالات العنف في بعض المستشفيات والجهات المعنية، وتوفير خطوط ساخنة وآليات للإبلاغ. والعمل على إدماج مفاهيم النوع الاجتماعي في المناهج والبرامج التعليمية والتثقيفية قدر الإمكان. والهدف أن تكون قضايا المرأة ليست ملفًا منفصلًا، بل جزءًا أصيلًا من كل سياسات الدولة.
*ما مدى تعاون المجلس مع باقي المؤسسات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني في حملات مناهضة العنف؟
- لا يمكن لأي جهة أن تعمل وحدها في ملف بهذا التعقيد. المجلس القومي للمرأة يتعاون مع: المجالس والهيئات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان والطفل والأسرة. ومنظمات المجتمع المدني الجادة التي لها خبرة في التوعية، والدعم النفسي، والتأهيل. والمؤسسات الدينية، والوزارات المعنية، والجامعات. وهذا التعاون يأخذ شكل حملات مشتركة، ومواثيق شراكة، وبرامج تدريب، وآليات إحالة ودعم، بحيث تحصل المرأة المعنفة على حماية شاملة: قانونية، ونفسية، واجتماعية، وإعلامية.
*أخيراً، ما رسالتك في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة؟
- رسالتي بسيطة وواضحة: العنف ضد المرأة ليس "شأنًا أسريًا"، بل جريمة في حق الإنسان، وفي حق المجتمع كله. أقول لكل امرأة تتعرض للعنف: أنتِ لستِ وحدك، وهناك مؤسسات وقوانين ونساء أخريات يقفن بجانبك. لا تقبلي بتطبيع الألم ولا بتوريث الخوف. كرامتك حق أصيل، وليس منحة من أحد. وأقول للمجتمع كله: مجتمع يَحترم نساءه ويحميهن، هو مجتمع أقوى وأكثر استقرارًا وقدرة على التنمية. إن مناهضة العنف ضد المرأة ليست قضية نسوية فقط، بل قضية وطنية وأخلاقية وإنسانية.
من زوايا العالم