تنقية الجيش السوري من المجموعات المنفلتة وما يسمى بالجيش السوري في الشمال، والتي كانت تعتدي على الكرد والعرب وعفرين والباب وأعزاز وجرابلس ورأس العين وتل أبيض، ومعهم فرقتا الحمزات والعمشات اللتان تردد أنهما انضمتا بعد ٨ ديسمبر للجيش، ولكن ما زالت لهما أجندات خاصة مع قوى إقليمية تتدخل دوماً في الشأن السوري، وكان لهما دور في مجازر الساحل والسويداء. ولذلك تعد مسألة استبعادهما في غاية الأهمية إذا ما كانت هناك رغبة حقيقية لإعادة الاستقرار لسوريا.
ينبغي إدراك أن مصالح هذه القوى الإقليمية قد تجعل أي اتفاق هشاً، خاصة إذا كانت تراهن على فصائلها التي تنتمي لها وترتمي في أحضانها. كما يمكن أن تستغل هذه الجهات الإقليمية هذه المجموعات لتحقيق مصالح استراتيجية على الأرض، مما يزيد من تعقيد المشهد.
ولكن من المتصور أن كسب ثقة المواطن السوري بحمايته أهم من أي خطوات أخرى يتم اتخاذها، حتى ولو كانت هذه المجموعات المنفلتة، والتي تستحوذ على أسلحة، قد تكون مرتبطة بمصالح محلية من قبائل وزعامات دينية أكثر من ارتباطها بالبنية المركزية للدولة. وهذا من شأنه أن يعزز النزاعات المحلية على حساب الدولة المركزية.
وإذا لم تستطع الحكومة الانتقالية فرض النظام والتصدي لهذه المجموعات المنفلتة فسوف يؤدي ذلك إلى فقدان السوريين ثقتهم في المؤسسات الحكومية.
أتصور أن الصراعات المتكررة ووجود فصائل محلية قوية قد يقودان إلى سيطرة محلية فعلية أو شبه حكم ذاتي في السويداء، خاصة في ضوء ما إذا تم الاتفاق على دور للوجهاء أو المشايخ لتولي مسؤولية حفظ الأمن، وهو ما قد يفتح الباب على مصراعيه مستقبلاً للمطالبة بحكم ذاتي محلي أو فيدرالي أو حتى انفصال جزئي، خاصة إذا لم يتم ردع هذه الفصائل المنفلتة من جانب الدولة المركزية وإخضاعها لها بشكل كامل.
وينبغي مراعاة أن وجود مجموعات منفلتة داخل الجيش السوري يعكس خللاً في عملية إعادة بناء الدولة المركزية، كما أن ضعف قدرة الدولة المركزية على احتكار السلاح بعد فرض القانون بشكل موحد قد يؤدي إلى تآكل سيادتها.
وانتشار السلاح لدى قطاع عريض وكبير من السكان في السويداء بعد انسحاب الجيش من بعض الثكنات يفرض حقيقة الانفلات الأمني على الأرض، بوجود جرائم قتل متكررة، مما يشكل عبئاً وضغطاً كبيراً على المؤسسات الأمنية المدنية، خاصة أن السويداء يغلب عليها الطابع الدرزي وبعض العشائر البدوية السنية، بشكل قد يؤجج الانقسام الطائفي العِرقي.
وإذا كانت تحركات دمشق تجاه السويداء يُنظر إليها على أنها محاولة لإيقاف تهريب المخدرات عبر الحدود من السويداء إلى الأردن، فهذا يشير إلى أن بعضاً من هذه الميليشيات قد تكون متورطة في أنشطة التهريب.
والاتفاقيات الأمنية للتسوية في السويداء قد يُنظر إليها البعض على أنها غير جدية إذا لم يتم تسليم السلاح فعلياً أو تحقيق الإصلاحات المطلوبة. كما أن فوضى هذه المجموعات وفوضى الأسلحة تفرضان عبئاً إضافياً على دمشق من حيث الحاجة إلى تدخل عسكري أو أمني متكرر، مما يستنزف موارد الدولة، فضلاً عن توقع خسائر بالأرواح والممتلكات بين المدنيين بسبب الاشتباكات.
من المؤكد أن عدم استقرار السويداء وعدم السيطرة على السلاح قد يخلقان بيئة أكثر ملاءمة للتهريب أو لتسلل مجموعات وجماعات متطرفة أو فاعلين خارجيين، مما يؤثر على الأمن الإقليمي، خاصة مع موقع السويداء القريب من الحدود. كما أن الانقسامات الداخلية قد تستخدمها دول إقليمية كذريعة للتدخل أو التأثير.
وإذا كانت بعض الأطراف ترى أن الحل لا ينبغي أن يتم بالقوة بل عبر تسويات محلية تشاركية من وجهاء ومشايخ وأجهزة أمن محلية، فإن هذا الحل يحمل بداخله مخاطر إذا لم يتم مراقبته وضمان خضوع هذه الفصائل للدولة على المدى البعيد.
ومن الأهمية إدراك أن هذه الأزمة الأمنية التي نشأت بسبب وجود هذه المجموعات المنفلتة أو الميليشيات المسلحة بدأت تضع ملامح جديدة من الحكم المحلي أو النفوذ المحلي القوي، مما قد يؤدي إلى رسم حدود العلاقة بين الدولة المركزية والمجتمعات المحلية.
ربما يرى البعض أهمية الدعوة إلى إعادة هيكلة الجيش السوري أو المؤسسات الأمنية بدمج المجموعات المنفلتة تدريجياً ضمن تشكيلات عسكرية رسمية، بشروط الخضوع لقيادة مركزية، وإعادة تدريب وتأهيل وتسريح العناصر غير المنضبطة أو المتورطة بجرائم، وضبط انتشار السلاح خارج المؤسسة العسكرية، مع إطلاق برنامج لجمع السلاح من المدنيين والمجموعات غير المنضبطة، ومراقبة خطوط تهريب السلاح خصوصاً نحو السويداء، والإسراع بتفكيك البنية الاقتصادية لأي مجموعات أو ميليشيات منفلتة ومسلحة لمنع مصادر تمويل السلاح.
أعتقد أن فشل الاتفاقيات الأمنية السابقة بسبب أنها لم ترتبط أو تتوافق مع إجراءات فعلية، لذلك ينبغي أن تكون مراقبة ومرفقة بآليات تنفيذ واضحة. فضلاً عن إدراك أن الحل الأمني بدون إصلاح سياسي واقتصادي يفشل، والحل السياسي بدون ضبط السلاح مصيره الانهيار أيضاً!!