كشفت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية عن مخاوف متزايدة لدى المسؤولين الأوروبيين والأوكرانيين من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على وشك الانسحاب من مفاوضات السلام بين كييف وموسكو، وذلك مع إكماله 100 يوم في منصبه.
وأشارت الصحيفة، نقلًا عن أربعة مسؤولين مطلعين على المناقشات، إلى أن ترامب قد يستغل أي تقدم بسيط في المحادثات كـ"ذريعة" للانسحاب والقول بأن مهمته قد انتهت.
فشلت مساعي ترامب، الذي وعد خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب في أوكرانيا خلال "24 ساعة"، في تحقيق إنجاز على هذا الصعيد، فرغم محاولاته للتواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والضغط على القيادة الأوكرانية، لم ينجح في الحصول على موافقة الطرفين على مقترحه الأولي لوقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا، ناهيك عن هدنة طويلة الأمد.
وقد عبّر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بوضوح عن نفاد صبر واشنطن، حيث صرّح يوم الأحد بأن هذا الأسبوع "حاسم" للمحادثات، مشيرًا إلى أن الإدارة الأمريكية غير مستعدة للانجرار إلى مفاوضات مطوّلة، وفق ما نقلته شبكة NBC عن الوزير الأمريكي.
تشير "فاينانشال تايمز" إلى أن ما وصفته بتعنت موسكو يمثل عقبة رئيسية أمام جهود ترامب، إذ كشفت مصادر مطلعة للصحيفة أن عدم استعداد بوتين للموافقة على المطالب الأمريكية والأوكرانية الأساسية، مثل الحفاظ على قوة عسكرية أوكرانية بعد الحرب، جعل ترامب يعيد تقييم التزامه باتفاق سلام شامل.
وفي تصعيد للموقف، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أمس الاثنين، أن موسكو تعتبر "الاعتراف الدولي" بضم خمس مناطق أوكرانية "أمرًا حتميًا" لأي اتفاق سلام، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد التفاوضي.
وبالرغم من تقديم بوتين عرضًا محدودًا بهدنة لمدة ثلاثة أيام خلال فترة 8-10 مايو بمناسبة احتفال روسيا بانتصار الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، فإن هذا العرض يثير شكوكًا حول جديته.
لقاء دونالد ترامب وفولوديمير زيلينسكي في الفاتيكان يوم السبت
أشار مسؤول أوروبي بارز للصحيفة البريطانية إلى أن ترامب "يهيئ وضعًا يمنح فيه نفسه أعذارًا للانسحاب وترك المسألة لأوكرانيا ولأوروبا لحلها".
ويبدو أن المسؤولين الأمريكيين أنفسهم "يشعرون بالقلق من أنهم قد لا يحصلون على نتائج ملموسة في المحادثات مع روسيا"، حيث بدأوا يطرحون أفكارًا لصفقة يمكن تحقيقها ضمن الجدول الزمني السريع الذي يتوقعه ترامب.
وتتسم مواقف الإدارة الأمريكية بالتناقض، فبعد لقاء جمع ترامب بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في الفاتيكان يوم السبت، حيث كانا يحضران جنازة البابا فرنسيس، أشاد الرئيس الأمريكي بنظيره الأوكراني، وانتقد بوتين قائلًا إنه "مندهش وخائب الأمل" من الهجمات الصاروخية الروسية على المدن الأوكرانية.
التفاؤل الأوكراني سرعان ما خفت عندما نشر ترامب تهديدًا لروسيا بفرض عقوبات جديدة على منصته "تروث سوشيال"، ثم سارع وزير خارجيته روبيو إلى إبطال مفعول هذا التهديد، معلنًا أن مزيدًا من القيود التجارية قد تطيل أمد الحرب.
في ظل هذه التطورات المقلقة، كشفت "فاينانشال تايمز" عن أن أوكرانيا بدأت بهدوء الاستعداد للمضي قدمًا وحدها في حال انسحاب الولايات المتحدة، عبر زيادة إنتاج الأسلحة المحلية وتكثيف المحادثات مع الحلفاء الأوروبيين بشأن المساعدات المستقبلية.
وعبّر أولكسندر ميريجكو، عضو البرلمان في حزب زيلينسكي الحاكم ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان، عن مخاوف بلاده قائلًا للصحيفة: "هناك مخاوف جدية في أوكرانيا من أن ترامب قد ينسحب من مفاوضات وقف إطلاق النار".
وأضاف أن "أسوأ ما يمكن أن يحدث في العلاقات الأمريكية الأوكرانية هو عندما يفقد ترامب أي اهتمام بأوكرانيا"، وهو ما "قد يعتبره بوتين إذنًا ضمنيًا من الولايات المتحدة لتصعيد الحرب".
وفق المصادر التي تحدثت للصحيفة البريطانية، فإنه ما زال من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستوقف الدعم الاستخباراتي والعسكري لأوكرانيا، كما فعل ترامب مؤقتًا في مارس، في حال تراجع البيت الأبيض عن الجهود الدبلوماسية.
دفعت هذه المؤشرات المقلقة بعض العواصم الأوروبية إلى إعادة التفكير في استراتيجيتها، حيث بدأت تميل إلى "فعل الشيء الصحيح وليس ما يريده ترامب"، بعد أن كانت تسعى جاهدة لـ"إبقاء ترامب منخرطًا" في حل الأزمة، حسبما أفاد مسؤول أوروبي للصحيفة.
وتواجه أوروبا تحديًا كبيرًا في حال قرر ترامب الانسحاب من مفاوضات السلام، إذ سيتعين عليها تحمل العبء الأكبر في دعم أوكرانيا عسكريًا واقتصاديًا في مواجهة روسيا، في وقت تعاني فيه العديد من الدول الأوروبية من تحديات اقتصادية داخلية.
من زوايا العالم
منبر الرأي
فضاءات الفكر