انتشرت مشاهد صادمة لقص شوارب رجال مسنين في محافظة السويداء السورية، لتكشف عن حلقة واحدة ضمن سلسلة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان المروعة، شملت إعدامات ميدانية، وسرقة، وتعذيب، وإهانة للرموز الدينية.
ارتكبت هذه الجرائم من قبل القوات الحكومية وفصائل موالية لها بعد دخولها للمحافظة بذريعة "حفظ الأمن"، إثر اشتباكات بين الدروز ومجموعات من البدو. هذه الأحداث تدق جرس الإنذار حول أوضاع المكونات الاجتماعية في سوريا ومصيرها.
كيف بدأت الأحداث؟
اندلعت الاشتباكات في السويداء بين مسلحين دروز وآخرين من البدو على خلفية عملية خطف طالت تاجر خضار درزي، أعقبتها عمليات خطف متبادلة، وتدخلت القوات الحكومية بهدف "فض الاشتباكات"، لكنها سرعان ما ارتكبت سلسلة من عمليات القتل الجماعي وانتهاكات حقوق الإنسان داخل المحافظة.
طالب بوحمدان
يقول طالب بوحمدان، الصحفي الدرزي من السويداء، في تصريح خاص لموقع "المبادرة"، إن الدروز وأهل السويداء ساهموا في تشكيل تاريخ سوريا، ومنهم سلطان باشا الأطرش الذي قاد الثورة السورية الكبرى وحرر البلاد من الاحتلال، ثم تنحى عن الحكم قائلاً: "نحن رجال حرب ولسنا رجال سياسة"، مضيفاً أن "السويداء خلال الحرب الأهلية الأخيرة استقبلت السوريين من كافة مشاربهم دون تمييز طائفي".
ويوضح بوحمدان أن البدو كانوا "رجال التهريب في نظام الأسد" ثم ارتبطت مصالحهم بالنظام الجديد، وأنهم "مدعومون من قوات الشرع، الذي جاء من مؤتمر باكو ليقوم بتلك الفتنة"، على حد قوله، ولم تهدأ الأمور حيث قطع البدو طريق دمشق-السويداء وكانوا يبلغون عن السيارات التي تحوي أموالًا أو أشياء ثمينة ليقوم الأمن العام بنهبها.
ويُبين الصحفي الدرزي أن المشكلة الأخيرة مع البدو بدأت بكمين نُهبت فيه سيارة، فقام شباب الدروز بخطف شباب من البدو لتبادلهم، وذلك في منطقة تسمى المقوس القريبة من السويداء، والتي شهدت اشتباكات سابقة. وعقب هذه الحادثة، فوجئ السكان بارتال من قوات الأمن العام، تضم قوات غير سورية مثل الشيشان.
إعدام ميداني لمدنيين دروز
في ضوء هذه الأحداث، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان ارتفاع عدد القتلى منذ اندلاع المواجهات يوم الأحد 13 يوليو وحتى الآن في محافظة السويداء إلى 1420 شخصًا، سقطوا جراء الاشتباكات وعمليات الإعدام الميداني.
وأوضح المرصد مقتل 678 من أبناء محافظة السويداء، بينهم 250 مدنيًا، منهم 56 امرأة و 21 طفل ورجل مسن، أُعدموا ميدانيًا على يد عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية.
وأشار المرصد إلى بعض هذه الانتهاكات، منها إعدام ميداني جماعي نفذه عناصر من وزارة الدفاع السورية بحق سبعة مواطنين من أبناء الطائفة الدرزية، بينهم شاب يحمل الجنسية الأمريكية. ووقعت الجريمة الأخيرة في ساحة تشرين وسط مدينة السويداء، حيث أُجبر الضحايا على الجثو على ركبهم قبل أن يُطلق عليهم الرصاص بكثافة.
وأوضح بوطالب أن قوات "الشرع" دخلت السويداء بالتوافق مع الفصائل بالمحافظة، ولكن بمجرد دخولهم، تساقطت القذائف والصواريخ على المحافظة وأحرقوها، وقطعوا الإنترنت لمدة ساعة قبل دخولهم إلى داخل المحافظة، حيث بدأت أرتال من السيارات والدبابات التابعة لـ"الجهاديين"، سوريين وغير سوريين كالشيشان، بالتدفق للذبح والقتل.
ويصف الإعلامي الدرزي القوات المهاجمة بأنها لم تترك بيتًا ولا محلًا إلا وتعرضوا له، حيث توزعت ما بين مجموعات دخلت المنازل وقتلت النساء والأطفال، ومجموعة "عفشت" أي سرقت المحال التجارية، ومجموعة اغتصبت النساء، مبينًا أن ما ظهر في الإعلام هو جزء بسيط مما حدث في الواقع.
واعتبر الإعلامي الدرزي أن القوات القادمة من دمشق هم "الجهاديون الذين أتوا مع الشرع من إدلب"، والذين قتلوا 7 آلاف شخص من الجيش الحر خلال الحرب هناك، موضحًا أن تلك القوات ارتكبت جرائم قتل في الشوارع وداخل المنازل، ومنها قتل لأسرة تضم مهندسًا مقعدًا وأخيه وابنه، حيث أطلقوا النار على المهندس المقعد وهو على كرسيه.
سمير عزام
بينما يقول سمير عزام، منسق تجمع السوريين الديمقراطيين في السويداء، في تصريح خاص لموقع "المبادرة"، إن السويداء "تنزف دمًا في كل مكان، أكثر من 500 قتيل مدني، غير ذبح عائلات كاملة وخطف أكثر من 200 عائلة من المحافظة."
حلق الشوارب وإهانة الرموز الدينية
ونقلت وسائل التواصل الاجتماعي صورًا وفيديوهات لانتهاكات أخرى صورتها المجموعات المهاجمة، كان أبرزها عملية حلق شوارب بعض من شيوخ الطائفة الدرزية، ومنهم شيخ مسن تجاوز عمره 80 عامًا.
ووثقت العديد من وسائل الإعلام الأجنبية، مثل بي بي سي، شهادات عن تمزيق علم الطائفة الدرزية، وتمزيق صور شيوخ الطائفة ودوسها ومسح أحذية المهاجمين بها.
وانتقل بوحمدان لجرائم حلق الشوارب التي قامت بها تلك المجموعات، مبينًا أنهم حلقوا شارب شيخ مسن عمره 80 عامًا، والرجل "مات قهرًا بعد حلق شاربه".
وأوضح أن المجموعة المهاجمة من "السلفية الجهادية تؤمن بحلق الشارب وإطلاق اللحية، ولذلك شوارب الموحدين لديهم معهم مشكلة، وبعد حلق الشارب يقولون له أنت الآن أصبحت سني."
وأشار بوحمدان إلى أن حالات الاغتصاب حدثت "ببشاعة"، ومنها حالات لأطفال أعمارهن لا تتجاوز 5 سنوات، كما دخلت قوات حكومة دمشق معها سيارات للدعوة الإسلامية، "ويطوفون بالمدينة لدعوة السكان للإسلام."
قوات العشائر ودورها في معارك السويداء
تعتبر أحد الأطراف الأساسية في القتال الدائر داخل السويداء هي مقاتلو "العشائر" الذين جاؤوا لدعم مجموعات البدو التي بدأت القتال داخل المحافظة. وعقب انسحاب القوات الحكومية من المدينة بعد ارتكاب الإعدامات الميدانية والانتهاكات، تقدمت أرتال هؤلاء المقاتلين، بعد إعلان تلك العشائر "النفير العام".
وشنوا هجومًا واسع النطاق على مدينة السويداء والقرى المحيطة بها، وتمكنوا من السيطرة على عدد من القرى والبلدات، أبرزها بلدة المزرعة، واقتربوا من مدينة السويداء من جهتها الشمالية على طريق دمشق.
ويُقدر عدد المقاتلين المشاركين في الهجوم بأكثر من 50 ألف مقاتل، يمثلون 41 قبيلة وعشيرة، وتشكل العشائر أكثر من 70% من سكان سوريا، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.
هنا يوضح سمير عزام، منسق تجمع السوريين الديمقراطيين في السويداء أن المجموعة البدوية التي تم حشدها من مختلف أنحاء سوريا بدعم من حكومة دمشق لمحاربة الدروز "تنتهج هي الأخرى الفكر الداعشي"، مطالبًا بدخول قوات أممية لحماية السويداء.
بينما يقول بوحمدان، الإعلامي الدرزي، إن الانتهاكات التي ارتكبتها ما تسمى "قوات العشائر" لا تُعد ولا تُحصى، غير عمليات حرق و"تعفيش" القرى التي ارتكبتها تلك القوات، مبينًا أن قوات العشائر هي في الحقيقة قوات تتبع "الشرع وأعوانه"، وهو ما اتضح من المقاتلين الذين تم أسرهم من قبل القوات الدرزية بأنهم تابعون لوزارة الدفاع وأنهم من فصيل "العمشات".
الوضع العسكري: صمود رغم الأرتال
رغم المذابح والانتهاكات والإعدامات الميدانية، إلا أن المعارك لم تتوقف بين قوات الحكومة السورية وما تسمى "قوات العشائر" من جهة، والقوات الدرزية من جهة أخرى.
حيث خرجت قيادات عسكرية درزية مثل القيادي ليث البلعوس الذي انتقد القيادة الروحية الشيخ حكمت الهجري علنًا، ولكن موقف "البلعوس" لم يترجم ميدانيًا على الأرض على القوات الدرزية الأخرى التي استعادت الكثير من القرى وسيطرت على مدينة السويداء عقب خروج القوات الحكومية منها.
صاحب الهجمات على محافظة السويداء دعم عسكري إسرائيلي متمثل في غارات قصفت القوات الحكومية وقوات البدو داخل المحافظة، ووصلت هذه الغارات الإسرائيلية إلى محيط رئاسة الأركان السورية ووزارة الدفاع في دمشق.
عامر شنان
ويقول عامر شنان، المقاتل بقوات رجال الكرامة، في تصريح خاص لموقع "المبادرة"، إن قواته وقفت بجانب الشعب في محافظة السويداء وكل رجال السويداء وقفوا أمام "الهجوم البربري" الذي شنته "حكومة الجولاني وحلفائها من قوات العشائر من البدو"، ولكن قوات الحكومة "قامت بارتكاب المجازر داخل محافظة السويداء وقتلوا الرجال والنساء والأطفال وسرقوا المنازل."
وأضاف أن "الشيء الوحيد الذي خفف الهجمات على محافظة السويداء هو التدخل الإسرائيلي وقصف دبابات وأرتال الحكومة ومن بعدها قوات البدو في السويداء، بالإضافة إلى قصف مقر وزارة الدفاع في دمشق."
بينما شدد عزام على أن جميع فصائل السويداء حاربت الاعتداءات سواء من البدو المدعومين من حكومة دمشق، أو من عناصر الأمن العام التابعين لحكومة دمشق عندما دخلوا مدينة السويداء، مبينًا أنه "لا يوجد فصيل عسكري متوافق مع الشرع إنما ليث البلعوس كشخص فقط."
الهدنة ومحاولات تثبيتها
وقد وقّع الطرفان، الدرزي والحكومة السورية، اتفاق وقف إطلاق نار تعهدت العشائر بالالتزام به. ينص الاتفاق على السماح لمؤسسات الدولة الإدارية والأمنية بالدخول الكامل إلى محافظة السويداء، ودمج عناصر الفصائل المحلية في المحافظة ضمن الأجهزة الأمنية للدولة.
ويقضي الاتفاق بتسليم السلاح الثقيل والمتوسط الموجود بحوزة كل من البدو والدروز، مع وجود بند يتعلق بدمج الدروز في المستقبل السياسي للمرحلة المقبلة.
وينص الاتفاق على محاسبة مرتكبي الانتهاكات، سواء من البدو أو الدروز، وفقًا للقانون، وتكليف عناصر الفصائل من السويداء بالتعاون مع وحدات أخرى لحفظ الأمن داخل المحافظة، مع تولي قوات الأمن العام السيطرة على الحدود الإدارية للمحافظة.
كما ينص الاتفاق الأخير بين الطرفين على إطلاق سراح الأسرى من الجانبين، حيث أفرجت الفصائل الدرزية عن نحو 1300 أسير من أبناء العشائر، على أن يتم خلال 48 ساعة الإفراج عن بقية أسرى العشائر، إضافة إلى عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية، مقابل إطلاق سراح 110 أسرى دروز لا يزالون محتجزين لدى الطرف الآخر.
وأشار عزام إلى أن السويداء "مدينة منكوبة بكل الأشكال، بعد وقف إطلاق النار، حيث لا يوجد ماء ولا كهرباء، في سياسة تجويع واضحة، بعد الهجوم الكبير عليها من قبل حكومة أحمد الشرع، ورغم ذلك العالم صامت."
من زوايا العالم
القصة كاملة
القصة كاملة