تشهد مصر حملة أمنية واسعة تنفذها السلطات ضد عدد من صناع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك على خلفية بلاغات تتهمهم بنشر مواد تُعتبر "مخالفة للآداب العامة" و"خادشة للحياء".
وقد أثارت هذه العملية اهتماما واسعا وأعادت تسليط الضوء على جهود مواجهة ما يوصف بـ"الفوضى الرقمية" و"سوء استخدام المنصات الإلكترونية لتحقيق أرباح غير مشروعة".
وقالت وزارة الداخلية في إفادات متلاحقة خلال الساعات الماضية، إنه "ورد عدد من البلاغات ضد صناع محتوى لنشرهم مقاطع فيديو بمواقع التواصل الاجتماعى تتضمن ألفاظا خادشة للحياء تمثل خروجا سافرا على الآداب العامة وإساءة استخدام مواقع التواصل، وكذلك التشكيك في مصادر ثرواتهما".
توقيف صناع محتوى
وأعلنت الوزارة ضبط أحد "التيك توكر" وبحوزته مبالغ مالية عملات "محلية وأجنبية"، ومشغولات ذهبية، وكمية من مخدري "الحشيش – الأفيون"، وبمواجهته اعترف بنشر مقاطع الفيديو على صفحته لزيادة نسب المشاهدات وتحقيق أرباح مالية، وحيازته للمواد المخدرة للتعاطي، مؤكدة "اتخاذ الإجراءات القانونية".
كما ضبطت الشرطة المصرية عدد من صانعات المحتوى، من بينهم "أم سجدة" و"أم مكة" و"علياء"، بالإضافة إلى صانعة محتوى تُلقب بـ"سوزي الأردنية"، على خلفية نشرهن مقاطع مصورة تتضمن "ألفاظا خادشة وإساءة لاستخدام وسائل التواصل".
وبمواجهة صانعات المحتوى "اعترفن بنشر مقاطع الفيديو المشار إليها لزيادة نسب المشاهدات وتحقيق أرباح مالية".
"أم مروة" واتهامات لوفاء عامر
وفي واقعة أخرى أثارت ردود فعل واسعة، ألقت السلطات القبض على صانعة محتوى تعرف باسم "مروة" على تطبيق "تيك توك"، بعد نشرها فيديو تتهم فيه الفنانة وفاء عامر بالتورط في قضايا تتعلق بتجارة الأعضاء البشرية، دون تقديم أي أدلة.
وتقدمت الفنانة وفاء عامر ببلاغات رسمية ضد "مروة"، مؤكدة أن ما نشر "لا يمت للحقيقة بصلة"، وطالبت بمحاسبة المتهمة على نشر الشائعات والإساءة لسمعتها.
هل يصل الأمر لـ"حجب تيك توك"؟
وتأتي هذه الحملة تزامنا مع تزايد الدعوات المجتمعية والبرلمانية لتشديد الرقابة على المحتوى المتداول عبر تطبيق "تيك توك"، وغيره من المنصات التي باتت، بحسب مراقبين، "ملاذا لصناعة الشهرة بأي ثمن، ولو على حساب القيم العامة".
يقول رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب المصري، أحمد بدوي، إن اللجنة عقدت مؤخرا اجتماعا بحضور رئيس الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات والمدير الإقليمي لمنصة "تيك توك"، في إطار المتابعة الحثيثة للانضباط الرقمي وضبط المحتوى المتداول عبر المنصة.
وأكد في تصريحات أنه تم حينها "عرض ضعف الرقابة على المحتوى المتداول على المنصة والتجاوزات التي تحدث عليها، وجرى منحهم مهلة 3 أشهر لتحسين المحتوى".
وأوضح بدوي أن اللجنة على تواصل دائم مع مسؤولي المنصات الرقمية، وتطالبهم بشكل مستمر بتحسين المحتوى المعروض بما يتوافق مع مواد قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، مشيرا إلى أن الجانب المصري طرح خلال الاجتماع عدة تساؤلات حول أسباب استمرار عرض مقاطع خادشة للحياء على المنصة، بدلا من حذفها أو حجبها تلقائيا عن المستخدمين داخل مصر.
وقال إن المدير الإقليمي لـ"تيك توك" أعرب خلال الاجتماع عن تقديره الكبير للسوق المصري وحرصه على استمرارية المنصة داخله، "متعهدا بالعمل على تحسين جودة المحتوى خلال المهلة الزمنية التي جددناها -أقصاها 3 أشهر-، خاصة أن القانون المصري واضح في هذا الشأن، وينص على اتخاذ إجراءات حاسمة حال نشر محتوى لا يلتزم بالمعايير والضوابط المعمول بها".
وأضاف: "إذا تحوّلت المنصة إلى ساحة لبث مقاطع منافية للآداب العامة وتتعارض مع القيم المجتمعية، فستتخذ الإجراءات القانونية، وقد تصل إلى حجب المنصة نفسها، على الرغم من أن اللجنة والحكومة لا تميلان إلى مثل هذا الإجراء".
رصد المخالفات
وأكد بدوي أن لجنة الاتصالات رصدت بالفعل عددا كبيرا من المخالفات التي تم بثها على المنصة خلال الفترة الماضية، وكان من الواجب على إدارة المنصة التعامل مع هذه المواد منذ البداية، تفاديا للمساءلة القانونية، معتبرا ما يبث من مقاطع خادشة ومنافية للآداب العامة عبر المنصة بأنها "جرائم إلكترونية مكتملة الأركان".
وأوضح أن "المنصات العاملة في مصر ستكون مطالبة خلال المرحلة المقبلة بالتزام صارم بكافة الضوابط والمعايير القانونية، ومع ذلك فالدولة ليست ضد الاستثمار في صناعة تكنولوجيا المعلومات، بل تدعمه وتسن من أجله القوانين والتشريعات". وتابع: "لكن لا يمكن السماح باستغلال هذه المنصات في بث محتوى مفسد يتنافى مع قيم وتقاليد المجتمع المصري".
واللافت، بحسب رئيس لجنة الاتصالات بالبرلمان المصري، هو "رصد اختفاء 75 بالمئة من صانعي المحتوى على تيك توك ممن يقدمون محتوى منافيا للآداب، خلال الساعات الماضية، جراء الحملة التي شنتها وزارة الداخلية".
التنظيم.. "ضرورة ملحة"
من جانبه، قال خبير تكنولوجيا المعلومات محمد الحارثي، إن تنظيم صناعة المحتوى الرقمي في مصر بات ضرورة ملحّة، خصوصا في ظل ما تشهده بعض المنصات، من تجاوزات تتعارض مع قيم المجتمع وأخلاقياته.
وأوضح الحارثي في تصريحات خاصة أن "صناعة المحتوى يجب أن تخضع لمنظومة واضحة تحكم طبيعة المواد المنشورة، لا سيما ما يبث عبر ميزة البث المباشر، الذي يحقق لصانعيه أرباحا مالية مباشرة"، مضيفا أن الدولة اتخذت خطوات عملية في هذا الإطار، من خلال اشتراط تسجيل صناع المحتوى لدى الوحدة المختصة بوزارة المالية، بما يضمن خضوعهم للضرائب والرقابة المالية.
وأشار إلى أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 يتضمن بنودا تنظم استغلال منصات التواصل الاجتماعي، خصوصا فيما يتعلق بنشر المحتوى المؤثر في الأمن المجتمعي والقيم الأخلاقية، و"البث المباشر يجب أن يعامل من الناحية القانونية كأي محتوى إعلامي آخر، ويخضع لنفس القواعد والضوابط".
وشدد الحارثي على "أهمية وجود رقابة فعلية على المحتوى المتداول، والتنسيق مع الشركات المالكة للمنصات والممثلين القانونيين لها داخل مصر، للامتثال للضوابط المحلية، سواء فيما يتعلق بالمحتوى أو الالتزامات الضريبية، أو ما يعرف بـ(الكود الإعلاني) الذي يطبق على أي وسيلة تبث محتوى للجمهور".
وأكد الحارثي أن الإشكالية ليست قانونية بقدر ما هي تنظيمية، موضحا: "كما تخضع القنوات التلفزيونية لأكواد إعلامية وإعلانية ورقابة مالية، من الطبيعي أن تطبق المعايير ذاتها على المنصات الرقمية التي تبث محتوى مشابها".
وضع حد للفوضى الرقمية
وفي تعليقه على ما شهدته الساعات الأخيرة من توقيف عدد من صانعي المحتوى، قال الحارثي إن ما جرى يمثل "تطبيقا عمليا للقانون وردا على الاستغلال غير الأخلاقي لبعض المنصات بهدف التربح".
وأكد أن تلك الحملات الأمنية والتشريعية تهدف إلى تقنين وضع هذه المنصات، ووضع حد لما وصفه بـ"الفوضى الرقمية التي تسوّق لمحتوى لا يتوافق مع ثقافة المجتمع المصري"
أصداء المرأة
القصة كاملة