كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، بالتعاون مع قناة PBS، تفاصيل جديدة عن عملية إسرائيلية واسعة استهدفت كبار العلماء النوويين الإيرانيين، تزامنًا مع اندلاع المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران في يونيو الماضي، ضمن مسعى لإلحاق أكبر ضرر ممكن بالبرنامج النووي الإيراني.
وبحسب التقرير، كانت الاستعدادات الإسرائيلية للهجوم، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، شبه مكتملة، مع انتشار عشرات العملاء داخل إيران وتجهيز طياري سلاح الجو الإسرائيلي لتنفيذ الضربات. غير أن المسؤولين الأمنيين في تل أبيب خلصوا إلى أن ضرب المنشآت وحده لا يكفي، وأن تعطيل البرنامج النووي يتطلب أيضًا القضاء على ما وصفوه بـ“مجموعة العقول” التي تقود العمل العلمي.
وأوضح التقرير أن هذه المجموعة تضم جيلًا من المهندسين والفيزيائيين الإيرانيين، الذين قدّرت أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية أنهم يعملون على تحويل المواد الانشطارية إلى سلاح نووي. ومع فجر 13 يونيو، انطلقت عملية حملت اسم “نارنيا”، استهدفت كبار العلماء النوويين، وأسفرت – وفق الرواية الإسرائيلية – عن اغتيال 11 عالمًا بارزًا خلال أيام قليلة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في إسرائيل والولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية أن البرنامج النووي الإيراني “ربما تأخر لسنوات”، في تقييم يختلف عن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي قال إن البرنامج “تم القضاء عليه بالكامل”.
وأشار التقرير إلى أن إسرائيل سبق أن نفذت عمليات اغتيال سرية بحق علماء إيرانيين، لكنها كانت تنفي مسؤوليتها. ومن بين أبرز تلك العمليات اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده عام 2020 باستخدام رشاش يتم التحكم به عن بُعد. غير أن عملية “نارنيا” مثّلت خروجًا واضحًا عن هذا النهج السري.
وبحسب مسؤول أمني إسرائيلي شارك في التخطيط، جمع جهاز “الموساد” قائمة بنحو 100 عالم نووي إيراني، جرى تقليصها لاحقًا إلى قرابة 12 هدفًا، مع إعداد ملفات تفصيلية عن تحركاتهم وأماكن إقامتهم. كما قام الموساد بتعبئة أكثر من 100 عميل داخل إيران، زُوّد بعضهم بأسلحة خاصة لتنفيذ ضربات دقيقة، بعد تدريبهم داخل إسرائيل وخارجها.
ونقل التقرير عن قائد سلاح الجو الإسرائيلي أن إضعاف حزب الله وسقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد كانا عاملين مؤثرين في تعديل الخطط وتسريع تنفيذها. كما أشار إلى وجود تنسيق وتمويه سياسي وإعلامي إسرائيلي–أمريكي سبق الضربات، لإخفاء مستوى التفاهم بين تل أبيب وواشنطن.
وفي ما يتعلق بالتقييمات الاستخباراتية، أوضح التقرير أن إسرائيل والولايات المتحدة اتفقتا، في عهدي الرئيسين جو بايدن ودونالد ترامب، على أن إيران تسعى لامتلاك سلاح نووي، لكنهما اختلفتا أحيانًا بشأن مدى تقدم العلماء الإيرانيين في هذا المسار.
ووفقًا للمعلومات التي جمعتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية منذ عام 2023، كان باحثون في وحدة تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية تُعرف باسم (SPND) يستكشفون طرقًا لتطوير سلاح نووي بدائي يمكن إنتاجه خلال نحو ستة أشهر باستخدام المخزون الحالي من اليورانيوم المخصب، رغم محدودية قدرته التشغيلية.
كما أشار التقرير إلى أن إيران أجرت أبحاثًا نظرية حول أسلحة الاندماج النووي، وهي أكثر تطورًا، إلا أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية اعتبرت هذا المسار بعيد المنال حاليًا. وأضافت الصحيفة أن زيادة إيران لإنتاج اليورانيوم المخصب جاءت بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018.
ورغم ذلك، خلص التقرير إلى أن أجهزة الاستخبارات لم تعتقد أن إيران بدأت فعليًا تصنيع قنبلة نووية، غير أن القلق الإسرائيلي تصاعد بحلول ربيع 2025 من احتمال عدم القدرة على رصد أي تحول مفاجئ في قرار القيادة الإيرانية أو في مسار العمل النووي في الوقت المناسب.