في حوار لموقع "المبادرة" مع الخبير في الشؤون الآسيوية الأستاذ حسين إسماعيل، تناولنا طبيعة العلاقة بين الصين والولايات المتحدة ومستقبل التنافس بين القوتين، وموقع تايوان من هذا الصراع، إلى جانب ما يُثار حول نية واشنطن إقامة "ناتو شرقي" في المحيط الهادئ.
ويؤكد إسماعيل أن التوتر بين البلدين لم يكن يوماً طارئاً، بل امتداد لتاريخ طويل من الصراعات بين قوة قائمة وأخرى صاعدة. ويرى أن المواجهة الحقيقية تدور حول التكنولوجيا والمعايير العالمية لا الأسلحة، وأن بكين تسعى لإعادة تشكيل النظام الدولي وفق رؤيتها دون الدخول في حرب مفتوحة.
*هل يمكن القول إن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة تمر بمرحلة توتر غير مسبوقة؟
- في الواقع لم تكن اللهجة بين البلدين في أي يوم لهجة هادئة، ولكنها تنوعت حدتها بتنوع المراحل التاريخية والظروف المحيطة. ربما في الفترة الأخيرة، ومع صعود الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم، وما تحقق في الصين من إنجازات وتقدم خلال السنوات العشر الماضية، أصبح العالم يراقب التوتر بين الجانبين باهتمام أكبر. لكن إذا أردنا توصيف الوضع بدقة، فالعلاقة بين الصين والولايات المتحدة علاقة تنافس دائم، يصل أحياناً إلى مستوى الصراع بين قوة كبرى قائمة وأخرى صاعدة تسعى لفرض نفسها على الساحة الدولية.
*كيف ترى طبيعة هذا التنافس بين القوتين؟
- كما هو الحال في التاريخ دائماً، القوة القائمة تستخدم كل الأدوات السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية للحفاظ على موقعها ومنع صعود المنافس الجديد ومحاولة عرقلته، بينما تعمل القوة الصاعدة بكل طاقتها ومواردها لتحقيق التوازن ثم التفوق. نحن الآن أمام الصين، التي حدد الحزب الشيوعي الصيني هدفين مئويين؛ تحقق الأول بالفعل، أما الثاني فمرتبط بعام 2049، وهو الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، حين تسعى بكين لتصبح قوة كبرى عالمية بكل المقاييس.
*في المقابل، ما الذي تسعى إليه الولايات المتحدة في هذا الإطار؟
- واشنطن تحاول الحفاظ على موقعها المتفوق عبر شعارات وسياسات مثل "أمريكا أولاً" و"لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى". هذا يعكس إدراكها أن المنافس القادم – أي الصين – يمثل تهديداً لبنيتها الاقتصادية ونفوذها السياسي على المدى البعيد.
*البعض يرى أن الصراع بين الجانبين تجاري في المقام الأول، هل توافق على ذلك؟
- الصراعات التجارية موجودة، لكنها ليست الأخطر. الأخطر هو الصراع التكنولوجي، لأنه هو الذي سيحسم شكل النظام الدولي في المستقبل. تحت مظلة "التنافس التكنولوجي" تندرج أيضاً أبعاد عسكرية واقتصادية واستراتيجية، وهي في رأيي لبّ الصراع الحقيقي بين القوتين.
*تحدثت عن "الصراع على المعايير"، هل يمكن توضيح المقصود بذلك؟
- منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والعالم يعيش وفق معايير غربية تحدد شكل الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والاقتصاد، وحتى تفاصيل الحياة اليومية. الغرب هو من وضع المقاييس التي تُقاس بها كل الأمور، من الديمقراطية إلى التكنولوجيا، بل وحتى شكل مقبس الكهرباء في منازلنا. اليوم، ما تفعله الصين هو محاولة إعادة صياغة هذه المعايير بما يتناسب مع رؤيتها وثقافتها ونظامها السياسي. إنها تريد تغيير الموازين من داخل النظام العالمي، وليس عبر مواجهته عسكرياً.
*هل يمكن أن يتطور هذا الصراع إلى مواجهة عسكرية مباشرة؟
- لصدام العسكري بين البلدين محكوم بعوامل كثيرة. كل طرف يدرك تماماً قدرات الآخر، ويعلم أن أي مواجهة ستكون مكلفة وغير مضمونة النتائج. لكن، إذا شعر أحد الطرفين بامتلاكه التفوق الذي يضمن له انتصاراً حاسماً، فلن يتردد في المواجهة. ومع ذلك، الاحتمال الأقرب هو استمرار الصراع في إطار التنافس السياسي والاقتصادي والتكنولوجي، لا الحرب المباشرة.
*دعنا ننتقل إلى مسألة تايوان. هل يمكن أن تكون شرارة المواجهة بين بكين وواشنطن؟
- تايوان لا تمثل بالنسبة للولايات المتحدة أكثر من قاعدة متقدمة في مواجهة الصين. واشنطن لن تغامر بخوض حرب مع بكين من أجل تايوان، فليس هناك ما يدفعها لذلك إذا كانت تستطيع استخدام الجزيرة كورقة ضغط في ملفات أخرى، مثل بحر الصين الجنوبي والممرات الاستراتيجية. الصين تدرك هذا جيداً وتتعامل مع الموقف ببراغماتية عالية. ولو حدثت مواجهة عسكرية فعلية، فإن السيطرة الصينية على تايوان لن تستغرق أكثر من ساعات قليلة. لكن بكين تحسب جيداً ردود الفعل الوطنية والدولية، ولذلك تفضل تجنب المواجهة المباشرة.
*روسيا تحدثت عن سعي الولايات المتحدة لتأسيس "ناتو شرقي" في المحيط الهادئ. هل ترى هذا التوصيف دقيقاً؟
- إلى حد كبير نعم. الولايات المتحدة تسعى بالفعل إلى إقامة تحالفات جديدة في تلك المنطقة، إلى جانب تحالفاتها التقليدية مع كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا. واشنطن تدرك أن هناك قوة عالمية صاعدة – وهي الصين – وأخرى مؤثرة – وهي روسيا – لذلك تعمل على تعزيز وجودها هناك سياسياً وعسكرياً.
*ما حجم الوجود الأمريكي الفعلي في تلك المنطقة؟
- الولايات المتحدة لديها أكثر من 30 ألف جندي في اليابان، وما يقارب 26 ألف جندي في كوريا الجنوبية، فضلاً عن قواعدها المنتشرة في غوام والمحيط الهادئ. هذا الوجود جزء من استراتيجية أمريكية مستمرة لتطويق الصين، واحتواء تمددها الاقتصادي والعسكري المتزايد، خاصة في ظل تقاربها مع روسيا.
*في ضوء كل ما سبق، كيف ترى مستقبل العلاقة بين واشنطن وبكين؟
- أعتقد أننا أمام صراع طويل المدى، قد يشتد أو يهدأ بحسب الظروف، لكنه لن يختفي. إنه صراع بين نموذجين للحكم والرؤية، بين من يريد الحفاظ على النظام العالمي بصيغته الغربية، ومن يسعى لإعادة صياغته وفق نموذج جديد أكثر تنوعاً وتعددية.