يقول ميرغني إن السودانيين عاشوا حالة ترقّب واسعة لنتائج اجتماع المجلس، في انتظار موقف واضح من مقترح الهدنة. لكن البيان الرسمي، كما يرى، حمل إشارات متناقضة تجمع بين القبول والرفض في الوقت ذاته.
فبينما قرأ المؤيدون للهدنة غياب الرفض الصريح باعتباره قبولًا ضمنيًا، رأى المعارضون أن تجاهل ذكرها دليل على رفض غير معلن. وخلص الكاتب إلى أن المجلس اختار صيغة “التعادل السلبي” لامتصاص التوتر الشعبي وتحقيق توازن بين الاتجاهات المتباينة.
ويرى ميرغني أن هذا الأسلوب يعكس منهج العقل المركزي للدولة السودانية، الذي يعتمد على ما سماه بـ"النقطة العمياء" — وهي المساحة التي لا يمكن للمواطن رؤيتها مهما حاول، تمامًا كما يعجز السائق عن رؤية نقطة محددة رغم المرايا من حوله.
ويشير إلى أن الحكومة تضع القضايا المصيرية في هذه المساحة الرمادية، بحيث تبقى بعيدة عن الإدراك الشعبي، رغم تأثيرها المباشر على مستقبل المواطنين، لتتحول الشفافية الغائبة إلى أداة للحكم وإدارة الأزمات دون مساءلة.
ويضيف الكاتب أن الخطاب الرسمي في الخرطوم ظل يميل إلى رفض المبادرة الرباعية، غير أن زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة أظهرت تحولًا لافتًا، بعدما أعلن البيان المصري أن البرهان أبدى موافقته على المقترح خلال لقائه بالرئيس عبد الفتاح السيسي.
لكن الإعلام الرسمي السوداني تجاهل هذا المضمون دون نفيه، ما يعكس، بحسب ميرغني، ازدواجية في الخطاب السياسي تهدف إلى إدارة التوازنات الداخلية والخارجية دون تقديم مواقف واضحة للرأي العام.
وفي ختام مقاله، أشار ميرغني إلى أن تصريحات المسؤولين برفض التفاوض لا تتطابق مع الواقع، إذ شارك وفد حكومي سوداني في لقاءات بواشنطن وُصفت رسميًا بأنها “مباحثات ثنائية”، بينما كشف مسعود بولس، مستشار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أنها مفاوضات غير مباشرة جرت بطلب من الخرطوم لتجنب الاعتراف الرسمي بها.
ويرى الكاتب أن هذا النهج يندرج ضمن سياسة “النقطة العمياء”، التي تبقي المواطن بعيدًا عن حقيقة ما يُدار باسمه، متسائلًا في ختام تحليله، هل تخشى الدولة وعي الشعب، أم أنها تسعى عمدًا لإبعاده عن دوائر القرار