وسط جدل وحديث متواصل حول دمجها في جيش سوريا المستقبلي، أكد غريب حسو، الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري أن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" باتت اليوم تمثل الركيزة الوطنية الأولى في مشروع بناء سوريا جديدة، دولة ديمقراطية لا مركزية تتسع لجميع مكوناتها.
وأوضح حسو، في حوار خاص لموقع "المبادرة"، أن هذه القوات لا تُجسّد فقط قوة عسكرية، بل مشروعاً أخلاقياً وإنسانياً متكاملاً يستند إلى قيم المواطنة، التعددية، والمساواة بين الرجل والمرأة. وشدد على أن تجربة "قسد" خلال أكثر من عقد لم تقتصر على الانتصارات العسكرية ضد الإرهاب، بل قدمت نموذجاً للحوار الوطني والتمثيل الحقيقي لكل المكونات، ما يجعلها اليوم محوراً رئيسياً في مسار الحل السياسي لمستقبل سوريا.
إلى الحوار:
*ما الذي تعنيه قوات سوريا الديمقراطية في المشهد السوري اليوم؟
- قوات سوريا الديمقراطية هي قبل كل شيء قوة له مكانتها وهي قوة وطنية بالدرجة الأولى وروح الوطن، وتجسد في بنيتها وتنظيمها وإدارتها تمثيلاً حقيقياً لجميع المكونات والمعتقدات الموجودة في المجتمع السوري، وكذلك في حمايتها بنفس الوقت لكل المكونات. فهي ليست مجرد تشكيل عسكري، بل مشروع وطني جامع يعبّر عن القيم الأخلاقية والإنسانية التي تتشارك فيها مختلف الشعوب والمعتقدات والمكونات التي تعيش على الأرض السورية. في قيادتها وإدارتها وحمايتها، تعكس هذه القوات روح التنوع والقيم الأخلاقية للمكونات. ولديها مشروع ديمقراطي بكل ما تعني كلمة الديمقراطية من معان. قوات سوريا الديمقراطية باحترامها للتنوع وتمثيلها لقيم المكونات في إقليم وشمال شرق سوريا فإنها تحمل رسالة مفادها أن الدفاع عن الوطن لا يقتصر على السلاح فحسب، بل على حماية القيم المشتركة التي توحد أبناءه.
*تحدثتم عن مشروع ديمقراطي حقيقي .. كيف تترجم قوات سوريا الديمقراطية هذا المشروع على أرض الواقع؟
- المشروع الذي تحمله قوات سوريا الديمقراطية هو مشروع ديمقراطي بكل معنى الكلمة، نابع من إرادة المكونات التي تشكلها. هذا المشروع يهدف إلى تحويل سوريا إلى وطن ديمقراطي لا مركزي يحتضن جميع أبنائه دون استثناء، وطن تُصان فيه الحقوق الوطنية والثقافية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية لكل مكوناته. "قسد" بروحها الوطنية وبتمسكها بالقيم الأخلاقية للشعوب التي تمثلها، تحمي هذا المشروع وتسعى لتحقيقه عبر التضحيات والعمل الميداني، وصولاً إلى وطن يُدار بمبدأ المشاركة لا الإقصاء، وبروح الوحدة لا التفرقة.
*كيف تنظرون إلى التجربة العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية خلال السنوات الماضية؟
تجربة قوات سوريا الديمقراطية خلال أكثر من عشرة أعوام كانت مليئة بالإنجازات، والمكتسبات، بل يمكن القول إنها كانت مليئة بالمعجزات أيضاً. هذه القوات كانت أول تشكيل عسكري في المنطقة يمثل فعلياً جميع المكونات السورية، وليست فقط فئة أو طائفة أو جهة واحدة. لقد واجهت "قسد" الإرهاب الداعشي بشجاعة لا مثيل لها، وقدمت تضحيات جسيمة دفاعاً عن القيم الوطنية والثقافية والأخلاقية. انتصارها على "داعش" لم يكن مجرد نصر عسكري، بل كان انتصاراً للكرامة السورية وللوحدة الوطنية، وأنقذت به المكونات. فقد حافظت على التراب السوري من التقسيم، وحمت النسيج الاجتماعي من التمزق، وهذا بحد ذاته إنجاز وطني تاريخي، وهذه هي الروح التي تحلت بها قوات سوريا الديمقراطية، بما كان لذلك من تأثير على شعوب شمال وشرق سوريا وحتى شعوب المنطقة.
*هل تعتبرون أن قوات سوريا الديمقراطية أصبحت اليوم طرفًا سياسياً قادراً على المساهمة في صياغة مستقبل سوريا؟
نعم، بالتأكيد. اليوم باتت قوات سوريا الديمقراطية تمتلك شرعية سياسية وأخلاقية مستمدة من تمثيلها لجميع المكونات. عندما نرى أن المفاوضات واللقاءات الجارية ضمن إطار "اتفاقية العاشر من آذار" تُعقد بمشاركة "قسد"، فإن هذا يعني أن الديمقراطية باتت تُترجم في سوريا من خلال قيم هذه القوات ومبادئها. هي ليست فقط قوة تحارب، بل قوة تبني وتُحاور، وتبحث عن الحلول السلمية من خلال الحوار رغم أنها قوة عسكرية. ومن اللافت أن تكون هذه أول مرة في تاريخ سوريا الحديث التي يقود فيها تشكيل عسكري حوارات سلمية مع الحكومة المؤقتة في دمشق، بحثاً عن حلول ديمقراطية وسلمية. هذا بحد ذاته تطور كبير يدل على النضج الوطني لقوات "ٌقسد" وعلى قدرتها في قيادة مشروع التحول الديمقراطي. "قسد" في هذا السياق تحمل مسؤولية كبيرة على عاتقها وثقلاً كبيراً وهو قيادة البلاد نحو الديمقراطية. وهي تلتزم بهذا النهج في كل اللقاءات والحوارات التي تجريها مع حكومة دمشق.
*ما أهمية مشاركة المرأة في بنية قوات سوريا الديمقراطية من وجهة نظركم؟
مشاركة المرأة في قوات سوريا الديمقراطية ليست تفصيلاً رمزياً، بل هي جوهر التجربة. إرادة المرأة الحرة المناضلة المكافحة كانت وما زالت ركيزة أساسية في بناء هذه القوات. لقد واجهت النساء الإرهاب الداعشي بإصرار مذهل، وأصبحن رمزًا للنضال والمقاومة ليس فقط في سوريا، بل في العالم كله، لقد قاومت المرأة في مواجهة الإرهاب بكل إمكاناتها. المرأة في "قسد" لا تؤدي دورًا تكميلياً بل قيادياً، وهي تمثل الوجه الحقيقي للديمقراطية التي نؤمن بها: ديمقراطية تقوم على المساواة والاحترام المتبادل والتمكين الكامل للمرأة في كل المجالات.
*كيف تقيّمون الحوارات الجارية بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة المؤقتة في دمشق؟
هذه الحوارات خطوة مهمة وتاريخية. وكما أشرت فأن تبادر قوات عسكرية إلى فتح قنوات حوار مع الحكومة المؤقتة يعني أن الخيار الديمقراطي في سوريا أصبح واقعاً لا شعاراً، وخطوة تعطي أملاً في إقامة دولة ديمقراطية. نحن في حزب الاتحاد الديمقراطي نرى أن "قسد" تسير بخطوات واثقة نحو ترسيخ مفهوم الحوار الوطني الشامل، وهو الطريق الوحيد لإنقاذ سوريا من أزماتها. هذه اللقاءات تعبر عن قيم رمزية ووطنية وأخلاقية عالية، لأنها تسعى إلى بناء سوريا لكل السوريين دون استثناء، دولة تعددية مدنية يعيش فيها الجميع بكرامة وعدالة.
*ما الرسالة التي تودون توجيهها للسوريين وللقوى السياسية في البلاد؟
رسالتي واضحة: الحل في سوريا لن يكون إلا عبر الحوار والتفاهم، لا عبر السلاح أو الإقصاء. وقوات سوريا الديمقراطية تقدم اليوم النموذج العملي لهذا المبدأ. لقد أثبتت أنها قادرة على حماية الأرض، وعلى حماية القيم، والأهم أنها قادرة على حماية مستقبل سوريا الديمقراطية، سوريا التي نحلم بها جميعاً. أود الإشارة كذلك إلى أن "قسد" أكبر وأصدق قوة تحظى باهتمام عالمي وتعتبر أول قوات حليفة وشريكة أساسية في المنطقة للتحالف الدولي ضد الإرهاب.