 
                            يفتتح المتحف المصري الكبير غداً السبت الأول من نوفمبر، ومعه تتجه أنظار العالم إلى الجيزة حيث يقف الصرح الأضخم في تاريخ المتاحف الحديثة، ليعيد تعريف العلاقة بين التراث والحضارة والسياحة في مصر. المتحف الذي طال انتظاره لا يعد مجرد مخزن للآثار أو متحفاً تقليدياً، بل مشروعاً وطنياً عملاقاً يمثل ذروة الرؤية المصرية في توظيف التاريخ لخدمة الحاضر والمستقبل.
في هذا الحوار مع "المبادرة"، يتحدث الدكتور مجدي شاكر كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار المصرية، عن ملامح هذا المشروع العالمي الذي وصفه بأنه "قطار التنمية للسياحة المصرية"، موضحاً كيف سيغير وجه السياحة في مصر، وما يضمه من مكونات معمارية وثقافية غير مسبوقة، إضافة إلى تفاصيل حفل الافتتاح العالمي الذي سيجعل المتحف حديث العالم لعقدٍ كامل قادم.
نص الحوار:
*في البداية، كيف تصف لنا دكتور مجدي فلسفة المتحف المصري الكبير ودوره في المنظومة السياحية المصرية؟
- المتحف المصري الكبير ليس مجرد مشروع أثري أو سياحي، بل رؤية وطنية متكاملة تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في قطاع السياحة والثقافة بمصر. هو "قطار التنمية للسياحة المصرية"، لأنه سيقود هذا القطاع نحو آفاق جديدة من حيث حجم الزوار، وتجربة السياحة المتكاملة، والترويج الحضاري لمصر على مستوى العالم. المتحف يقدم للعالم تجربة ثقافية وفنية وترفيهية شاملة تجمع بين التاريخ القديم والتكنولوجيا الحديثة.
*بعض الناس يعتقدون أن المتحف مجرد مكان لعرض الآثار، كيف ترد على ذلك؟
هذا تصور غير دقيق. المتحف ليس فقط قاعات عرض أثرية، بل منظومة ثقافية متكاملة. يضم مسرحًا ضخمًا للعروض السينمائية والأوبرالية، وساحات لإقامة الفعاليات الفنية والثقافية، إضافة إلى مناطق مفتوحة للأنشطة الخارجية. الهدف هو أن يشعر الزائر أنه يعيش تجربة حضارية متكاملة تمتد من التاريخ الفرعوني حتى العصر الحديث.
*ما الذي يميز موقع المتحف المصري الكبير عن غيره من المتاحف في العالم؟
- موقعه أمام الهرم الأكبر بالجيزة يمنحه بعداً حضارياً وسياحياً فريداً. لا يوجد في العالم متحف بهذا القرب من إحدى عجائب الدنيا السبع. هذه النقطة وحدها كفيلة بأن تجعله مزارًا يحلم به كل سائح. فالمتحف يُطل على الهرم مباشرة، مما يمنح الزائر تجربة بصرية لا تتكرر تجمع بين الماضي العريق والحداثة العمرانية.
*هل يشمل المشروع محيط المتحف أيضاً؟
- بالطبع، فهناك مشروعات تطوير ضخمة جارية في المنطقة المحيطة بالمتحف. يجري تطوير منطقة نزلة السمان بالتعاون مع الأهالي لتحسين الخدمات والمظهر الحضاري، كما تنفذ وزارة الإسكان مشروعًا كبيرًا لتطوير الظهير الصحراوي الممتد من مطار سفنكس حتى سقارة. الهدف هو تحويل المنطقة بأكملها إلى واحدة من أهم الواجهات السياحية في العالم خلال السنوات القليلة المقبلة.
*وماذا عن التصميم المعماري للمتحف؟
- التصميم بحد ذاته تحفة معمارية عالمية. استخدم في واجهته أكثر من 160 ألف متر مربع من الحجر الجيري المصري، بينما صُممت القاعات الداخلية لتتيح رؤية بانورامية للهرم من الداخل. كما صُمم المتحف ليكون صديقًا للبيئة، مع استخدام أنظمة إضاءة وتبريد موفرة للطاقة، وأحدث تكنولوجيا العرض التفاعلي التي تسمح للزائر بالتفاعل مع القطع الأثرية عبر شاشات رقمية ثلاثية الأبعاد.
*كم عدد القطع الأثرية التي سيضمها المتحف؟
- المتحف سيضم نحو 100 ألف قطعة أثرية، منها أكثر من 57 ألف قطعة تُعرض لأول مرة، والباقي سيكون في عرض مؤقت. من أبرزها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون والتي تُعرض للمرة الأولى مجتمعة في مكان واحد وعددها 5398 قطعة، كان قد عرض منها 1300 أما الباقي سيعرض لأول مرة. إلى جانب ذلك، هناك قاعة ضخمة لتمثال الملك رمسيس الثاني، ومجموعة نادرة من التوابيت والتماثيل والبرديات.
*حدثنا عن حفل الافتتاح المنتظر، كيف تستعد له الدولة؟
حفل الافتتاح سيكون حدثاً عالمياً بكل المقاييس. مصر لديها خبرة كبيرة في تنظيم الفعاليات الكبرى مثل موكب المومياوات الملكية وافتتاح طريق الكباش، وكلا الحدثين أبهر العالم ونُفذا بأياد مصرية خالصة. أما افتتاح المتحف المصري الكبير فسيكون أكبر من ذلك بكثير. سيشهد مشاركة فرقة موسيقية تحت اسم "موسيقى السلام" تضم عازفين من مصر وعدة دول أجنبية، وسيُقدَّم عرض فني فريد يروي قصة الحضارة المصرية من فجر التاريخ حتى اليوم.
*ماذا عن الاهتمام الإعلامي والدولي بتغطية هذا الحدث؟
نعم، اهتمام غير مسبوق. أكثر من 400 محطة أجنبية تقدمت بطلبات رسمية لنقل حفل الافتتاح، إلى جانب بثه على شاشات عملاقة في ميادين القاهرة الكبرى. هناك استعداد كبير من وسائل الإعلام العالمية لتغطية كل تفاصيل الحدث، لأنه يُنظر إليه باعتباره حدثًا ثقافيًا عالميًا يعكس عظمة الحضارة المصرية.
*من المنتظر حضور عدد كبير من القادة، أليس كذلك؟
بالتأكيد، فالرئيس عبد الفتاح السيسي سيستقبل أكثر من 43 رئيس دولة وملكاً في هذا الافتتاح، وهو ما يعكس المكانة الرفيعة التي وصلت إليها مصر على الساحة الدولية. حضور هذا العدد من القادة في حدث ثقافي دليل على تقدير العالم للدور الحضاري لمصر، واعتراف بمكانتها كقلب التراث الإنساني.
*من وجهة نظرك، كيف سيسهم المتحف في دعم الاقتصاد المصري؟
- العائد الاقتصادي سيكون ضخمًا. نتوقع زيادة عدد السياح بنسبة لا تقل عن 30% خلال أول عام بعد الافتتاح. المتحف سيجذب فئات جديدة من الزوار من محبي الثقافة والفن والتاريخ، كما أنه سيوفر آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، سواء في السياحة أو النقل أو الخدمات أو الصناعات التقليدية المرتبطة بالحرف اليدوية.
*هل هناك تعاون دولي في إدارة المتحف أو المعارض المؤقتة؟
- نعم، هناك تعاون وثيق مع عدد من المتاحف والمؤسسات الثقافية الدولية لتنظيم معارض مؤقتة وتبادل خبرات في مجالات الترميم والتوثيق. هذا التعاون يعزز مكانة المتحف كمركز بحثي عالمي، وليس مجرد مزار سياحي.
*برأيك، كيف سيعزز المتحف صورة مصر في عيون العالم؟
- سيوصل رسالة واضحة بأن مصر لا تعيش على الماضي، بل تبني مستقبلها على أساس من حضارتها. المتحف يعبر عن ثقة المصريين في قدرتهم على تقديم مشروع عالمي بأيادٍ وطنية. سيظل العالم يتحدث عن هذا الافتتاح لعشر سنوات قادمة، لأنه يجسد عظمة مصر ومكانتها بين الأمم.
*أخيراً، ما الرسالة التي تود توجيهها للعالم قبل الافتتاح؟
- أقول للعالم: مصر تفتح لكم أبواب التاريخ من جديد. نحن لا نحافظ فقط على آثارنا، بل نقدمها للعالم في أبهى صورة تليق بعظمة أجدادنا وبإرادة حاضرنا. المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى، بل جسر حضاري يربط الماضي بالمستقبل، ومصدر فخر لكل مصري.