الواقع السوري الصعب والمعقد خلال الفترة الراهنة قابلٌ للانفجار، خاصةً في ظل هيمنة شيطانية قد تؤدي إلى اندلاع حرب. لذلك، لم يكن غريبًا في ظل هذه الأوضاع أن نجد أصواتًا تطالب بتعديل الإعلان الدستوري المؤقت، انتظارًا لتطبيق خارطة الطريق التي تؤهل سوريا للخروج من النفق المظلم.
ولم يكن غريبًا أن تتصدى المرأة السورية لهذه المطالب التي تعكس تخوفًا من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية المزمع الاتفاق عليها في ظل غياب برلمان للموافقة عليها، بما يشكّل انتكاسة للديمقراطية وبناء العدالة في سوريا لامركزية موحدة، ويدفع البعض لإلقاء الاتهامات بشأن بيع سوريا شمالًا وجنوبًا لأطراف تتصارع إقليميًا على المنطقة، وكل ذلك من أجل المحافظة على كرسي دمشق.
وينطلق النضال النسائي في سوريا من أجل بناء سوريا تعددية لامركزية ديمقراطية تقوم على الحرية والعدالة الاجتماعية وتكفل المساواة بين كافة المكونات، وهو ما نلمسه في اجتماع "كونفرانس" التحالف النسائي كأساس لبناء العدالة الديمقراطية في سوريا المركزية الموحدة، والذي انعقد منذ أيام.
ومن الأهمية لضمان نجاح وتعزيز النضال النسائي بسوريا مراعاة الالتزام بالعمل التراكمي والمثابرة والتوثيق لمواجهة صعوبة المرحلة الانتقالية للوصول إلى مشاركة المرأة بنسبة عادلة في عمليات صياغة الدستور وتعزيز تمثيلها في مواقع اتخاذ القرار، والاتجاه لتعديل المواد التي تنتقص من حقوقهن، وتضمين آليات دستورية تضمن تطبيق القوانين المتعلقة بحقوق المرأة.
من المؤكد أنه لن يغيب عن النضال النسائي السوري تقديم مقترحات لمسودات النصوص الدستورية، وإنشاء مرصد نسوي لمتابعة العملية الدستورية القائمة على التشاركية لبلورة رؤية مشتركة حول مستقبل سوريا، وصياغة أسس دستورية تكفل المساواة بين الجنسين لضمان حقوق المرأة مع حماية وتطوير المكتسبات التي تحققت.
وما يحدث في الداخل السوري يستلزم الإسراع نحو تحقيق وتعميق وتوحيد الصف، وإعداد دستور عادل يتوافق مع تطلعات الشعب السوري ومكوناته، وسد الطريق أمام الانتهاكات التي تتعرض لها النساء من قبل بعض العناصر التابعة للحكومة الانتقالية، وفضح الإقصاء أو الالتفاف على قضايا الفساد بتناولها في الإعلام والتقارير المحلية والإقليمية والدولية.
كما أتَصَوّر أهمية اتخاذ إجراءات فاعلة لحماية النساء السياسيات والقيادات والناشطات من الحملات الإعلامية الممنهجة، بما في ذلك التوعية والمناصرة بالدعم القانوني، وتعزيز منصات الإعلام البديل لرفع أصواتهن بأمان، والتوجه نحو تنظيم حملات توعية لشرح أهمية التعديلات الدستورية للنساء.
ولا يمكن إغفال أهمية مجموعة التوصيات التي توصل إليها اجتماع "كونفرانس" التحالف النسائي، ومن بينها إطلاق حملة نسائية واسعة داخل سوريا وخارجها للضغط من أجل بناء سوريا ديمقراطية لا مركزية تعددية قائمة على الحرية والعدالة الاجتماعية، واعتبار المكتسبات التي حققتها المرأة في شمال وشرق سوريا مكسبًا نسائيًا ووطنيًا عامًا، والعمل على ترسيخها وتوريثها لتصبح إرثًا مشتركًا لكافة نساء سوريا.
ولا يمكن إرساء أدوات الحماية الذاتية للنساء إلا من خلال التوعية والتعليم والتدريب والمبادرات المجتمعية ضد كافة أشكال العنف والتمييز، ومشاركة المرأة في تعزيز الثقة المجتمعية، وترسيخ السلم الأهلي، والمساهمة الفاعلة في بناء السلام ونبذ خطاب العنف والكراهية.
كما أنه من الأهمية تطوير البرامج الاقتصادية والاجتماعية الموجهة للنساء لتمكينهن من الاعتماد على الذات والمشاركة في بناء المجتمع، وتعزيز التحالف النسائي السوري عبر بناء شبكة وطنية من أجل توحيد نضالها على كامل الجغرافيا السورية بما يحقق ترابط النساء من مختلف المكونات لمواجهة كافة أشكال التهميش والإقصاء.
بلا شك، يُعتبر توحيد نضال النساء من أجل تنظيم صفوفهن وبناء قوة مجتمعية فاعلة تعمل على تأسيس مجتمع ديمقراطي أخلاقي وإيكولوجي يقوم على مبدأ أساسي مفاده أن حرية المرأة تُعَد الركيزة التي يتم البناء عليها لحرية المجتمع بأسره.
كما أن تكريس المشاركة السياسية للنساء عبر تمثيل عادل وفعلي في المؤسسات الإدارية والحكومية والمجالس المحلية مسألة ضرورية تسهم في تحقيق العدالة على مستوى الاستحقاقات الانتخابية والمناصب القيادية، بما يرسخ مبدأ الشراكة الحقيقية والمساواة في صناعة القرار، وبما يضمن في النهاية تجاوز النفق المظلم وبناء سوريا الجديدة.