وقّعت المملكة العربية السعودية وباكستان، يوم الأربعاء، اتفاقية دفاع مشترك تمثل تتويجاً لعقود من التعاون الأمني بين البلدين، في خطوة تحمل أبعاداً استراتيجية عميقة على المستويين الإقليمي والدولي.
الاتفاقية التي جمعت ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان برئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، وبحضور قائد الجيش الباكستاني عاصم منير، تأتي في وقت تتصاعد فيه التوترات في منطقة الشرق الأوسط وتبرز تحديات جديدة لمعادلات الأمن التقليدية.
مأسسة أوسع لشراكة دفاعية
من حيث الشكل، تبدو الاتفاقية امتداداً لعلاقات دفاعية تاريخية، حيث اعتادت باكستان منذ عقود تقديم دعم عسكري ولوجستي للمملكة، خصوصاً في مجال تدريب القوات المسلحة. لكن مضمون الاتفاقية الجديدة يكشف عن مأسسة أوسع لشراكة دفاعية تتضمن جميع الوسائل العسكرية، بحسب ما أكّد مسؤول سعودي كبير، ما قد يرقى إلى مستوى "مظلة ردع مشتركة" في مواجهة أي تهديدات مستقبلية.
وعندما سُئل عما إذا كانت باكستان ستُلزم بتزويد السعودية بمظلة نووية بموجب الاتفاقية، قال المسؤول: "هذه اتفاقية دفاعية شاملة تشمل جميع الوسائل العسكرية".
التحليل الأعمق يشير إلى أن هذه الخطوة ليست معزولة عن السياق الإقليمي. فالثقة الخليجية في المظلة الأمنية الأميركية تراجعت تدريجياً خلال العقد الماضي، لا سيما بعد سياسات الانسحاب النسبي للولايات المتحدة من المنطقة.
وزاد الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطر، ومحاولة اغتيال قادة من حركة "حماس" في الدوحة، من القلق الخليجي حول حدود الحماية الأميركية، ودفع إلى البحث عن بدائل أو مكملات تعزز منظومة الأمن الذاتي.
حسابات جديدة
كما أن الاتفاق يعكس حسابات جديدة تتعلق بالتوازنات مع إيران وإسرائيل. ففي حين سعت دول الخليج مؤخراً إلى خفض التوتر مع طهران، جاءت حرب غزة والاعتداءات الإسرائيلية لتعيد خلط الأوراق. وبالنسبة للسعودية، فإن بناء شراكة دفاعية مع قوة نووية مثل باكستان يمنحها ورقة ضغط إضافية، حتى إن لم يُترجم ذلك إلى التزامات نووية مباشرة.
أما على مستوى جنوب آسيا، فإن التوقيت يكتسب حساسية خاصة. فالاتفاق يأتي بعد مواجهة عسكرية بين باكستان والهند في مايو، ما أثار ردود فعل حذرة في نيودلهي. وقد سارعت وزارة الخارجية الهندية إلى الإعلان عن "متابعة التطور ودراسة تداعياته على أمن واستقرار المنطقة"، في إشارة واضحة إلى القلق من أن يؤدي التعاون السعودي–الباكستاني إلى تعزيز موقف إسلام آباد في معادلة التوازن النووي مع الهند.
طمأنة للهند
من جهة أخرى، حرصت الرياض على طمأنة الهند عبر تأكيد أن علاقتها مع نيودلهي "أقوى من أي وقت مضى"، في محاولة لتجنب الانجرار إلى اصطفاف ثنائي حاد. هذا الموقف يعكس براجماتية سعودية تسعى إلى موازنة العلاقات مع القوتين النوويتين في شبه القارة الهندية، بما يضمن الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.
الرمزية التي حملتها صور العناق بين ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الباكستاني لا تقل أهمية عن مضمون الاتفاق. فهي رسالة إلى الداخل والخارج بأن الرياض وإسلام آباد ترتبطان بتحالف استراتيجي عميق، وأن التنسيق الأمني بينهما لم يعد مجرد تعاون ظرفي، بل تحالف رسمي عنوانه "الردع المشترك".
تحولات عميقة
و يرسّخ هذا الاتفاق موقع السعودية كفاعل إقليمي يسعى إلى بناء منظومات أمن متعددة الأبعاد، بعيداً عن الارتهان الكامل للولايات المتحدة. أما باكستان، فهي تعزز مكانتها كلاعب أساسي في معادلة الأمن الخليجي، مستثمرة قوتها العسكرية ونفوذ جيشها كأداة لإعادة التموضع في الساحة الدولية.
الاتفاقية، إذاً، ليست مجرد وثيقة دفاعية، بل انعكاس لتحولات عميقة في ميزان القوى الإقليمي والدولي في لحظة تزداد فيها هشاشة الأمن الجماعي.