بث تجريبي

ذكرى انتفاضة "المرأة.. الحياة.. الحرية" .. النضال النسوي حين يعانق قضايا الشعوب

تحل في السادس عشر من سبتمبر ذكرى انتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية"، التي تحولت من حدث محلي ارتبط بمقتل الشابة الكردية جينا مهسا أميني في إيران عام 2022، إلى أيقونة عالمية تجسد نضال المرأة ضد الظلم، والقهر، وانتهاك الحقوق. هذه الانتفاضة لم تقتصر على حدود جغرافية أو قومية، بل عبرت إلى فضاءات إنسانية أوسع، لتصبح شعارًا يتردد في ميادين الاحتجاج من الشرق الأوسط حتى أوروبا والأمريكيتين.

الانتفاضة التي انطلقت شرارتها من طهران وامتدت إلى مدن العالم، عبّرت عن تراكم غضب طويل تجاه القيود المفروضة على النساء، وتجاه الأنظمة التي تحاول حصر المرأة في أدوار نمطية محدودة. وقد وجدت نساء كرديات، وعربيات، وإيرانيات، وغيرهن، في هذه اللحظة فرصة للتعبير عن رفضهن للتمييز، وللمطالبة بالحرية الشخصية والكرامة الإنسانية.

أبعاد سياسية واجتماعية

لم تكن انتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية" مجرد احتجاج على ممارسات سلطوية بحق النساء، بل جاءت لتكشف عمق الأزمة الاجتماعية والسياسية في المنطقة. فهي تطرح سؤالًا جوهريًا حول علاقة الدولة بالمرأة، وحول مدى قدرة الأنظمة على التكيف مع قيم العصر الحديثة، حيث الحرية والمساواة لم تعد ترفًا بل حقوقًا أساسية.

كما أن هذه الانتفاضة ألقت الضوء على البنية الذكورية المسيطرة في المجتمعات، وعلى محاولات تهميش المرأة سياسيًا واقتصاديًا. ومن هنا، برزت أهميتها في أنها لم تبقَ مجرد حركة مطلبية نسوية، بل شكلت جزءًا من حركة أوسع من أجل الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ومناهضة الاستبداد.

عمق وتأثير

وارتباط الشعار بـ "المرأة – الحياة – الحرية" يعكس أيضًا عمق التجربة الكردية في صياغة خطاب مقاوم يجمع بين التحرر القومي والتحرر الاجتماعي. فالكرد لطالما ربطوا بين قضية الحرية الوطنية وحقوق المرأة، معتبرين أن لا تحرر لشعب دون تحرر نسائه. ومن هنا، تحوّل الشعار إلى مرجعية فكرية في الحركات النسوية الكردية، وانتقل لاحقًا إلى العالمية بعد أحداث 2022.

وسرعان ما تجاوزت الانتفاضة حدود إيران والمنطقة. في شوارع باريس، برلين، واشنطن، وإسطنبول، ردد الآلاف الشعار ذاته، رافعين صور النساء اللاتي فقدن حياتهن في سبيل الحرية. الإعلام الدولي سلط الضوء على القضية، والمنظمات الحقوقية اعتبرت ما جرى نقطة تحول في مسار النضال النسوي العالمي.

هذا البعد العالمي أعطى زخماً جديداً للحركات النسوية في الشرق الأوسط، التي غالبًا ما كانت معزولة أو محاصرة. فالانتفاضة أعادت تسليط الضوء على مركزية المرأة في قضايا التحرر والعدالة، وجعلت العالم يتعامل مع أصوات النساء كأصوات سياسية لا يمكن تهميشها.

المرأة والحرية.. معركة مستمرة

ورغم مرور ثلاث سنوات على انطلاق الشرارة الأولى، ما تزال "انتفاضة المرأة، الحياة، الحرية" حاضرة في الخطاب السياسي والاجتماعي. فهي لم تنتهِ بانتهاء المظاهرات، بل تحولت إلى وعي جمعي يتجدد في كل مناسبة، ويعيد التذكير بضرورة تمكين المرأة في السياسة، والاقتصاد، والمجتمع.

ومما لا شك فيه أن ذكرى هذه الانتفاضة تعكس أن معركة المرأة من أجل الحرية والحياة ليست مجرد حدث عابر، بل هي مسار طويل من التضحيات والتحديات. وهي رسالة واضحة مفادها أن لا استقرار حقيقي ولا سلام دائم في أي مجتمع ما لم تُصان كرامة المرأة، ويُعترف بدورها كشريك كامل في بناء المستقبل.

قد يهمك