بث تجريبي

مستقبل سوريا بين الأطماع الإقليمية والحل الوطني

منذ انهيار نظام الحكم في سوريا وسقوط رئيس النظام بشار الأسد؛ يزداد المشهد العام في سوريا تعقيداً وبوتيرة متصاعدة، ويزداد تراجعاً، وتفاقماً للأزمات السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية…
إن ذلك إنما هو انعكاس لحالة الفوضى التي رافقت التغيير على يد العصابات الهجينة، والمتطرفة، والمدعومة من أطراف دولية وإقليمية معروفة؛ بهدف تغيير المعادلة القائمة بين إسرائيل وجارتها سوريا منذ العام 1974.

إن الظروف أصبحت أكثر ملائمة بعدما حدث في حرب السابع من تشرين الأول بين حماس، وإسرائيل، وما تلاها من تداعيات في فلسطين المحتلة، ولبنان. ويبدو أن القوى الدولية والإقليمية هذه لم تدرس الديموغرافيا السوريّة جيداً أو تركيبتها السكانية المتعددة الأعراق والطوائف… أو العكس من ذلك تماماً وهو بأن القوى الدولية وحلفائها الإقليميين كانوا على دراية تامة بالحالة المجتمعية السورية، لكي يجري الاستثمار فيها بالتعاون مع (الموظف الجديد) الذي يمتاز بالتطرف الديني و(الجهل المقدس) الذي لا يقيم وزناً للشعب الآخر. حتى لو اقتضى ذلك تصفيته وإبادته جسدياً، واستباحة أرضه وحرماته. كما حصل في الساحل السوري، ومحافظة السويداء لاحقاً.
إن ما زاد ويزيد من تعقيدات المشهد السوري، هو عدم قدرة النظام على تجاوز عقده الأيديولوجيا والانطلاق نحو فضاءات الديمقراطية والوحدة الوطنية على أساس تشاركي، وهو الحال الذي يمثل الواقع الذي مازال يغذي ويدعم باستمرار رجحان كفة أمريكا وحلفائها مع الفاعل التركي على ما سُمي بمحور “المقاومة” ممثلاً بإيران وحزب الله اللبناني، والمدعومان (شكلاً) من الصين وروسيا الاتحادية واللذان تعرضا إلى ما يشبه الهزيمة في لبنان أو سوريا.
وأنا أرى بأن الأوضاع في سوريا، ولبنان تتجه نحو التصعيد باتجاه تأجيج الصراعات العرقية والطائفية وذلك لفرض واقع جديد. سيجعل من دول الجوار تتنافس فيما بينها للحصول على أجزاء من الوطن السوري الذي أنهكته الحرب الأهلية، والمليشيات المسلحة التي تولت الحكم لتزيد الطين بلة.
 من وسط هذا الركام ينطلق صوت التجربة الحيّة؛ ينطلق هذا الصوت من شمال وشرق سوريا ليطرح النموذج الأمثل الذي سيتمكن السوريون بمختلف شعوبهم (فيما لو أجمعوا عليه) من إدارة سوريا إدارة عادلة. على قاعدة المواطنة المتساوية للجميع وشتان بين تجربة “إدلب” وتجربة شمال وشرق سوريا.
انطلاقاً من صلب الحياة والتجربة الديمقراطية التي انتهجتها “الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا “ينطلق صوت مجلس سوريا الديمقراطية وقوات “قسد” وهم يطرحون تجربتهم في الإدارة عبر (فدرالية لا مركزية) كحلٍّ سياسي لبناء مجتمع ديمقراطي، وللحفاظ على وحدة سوريا، لكن هذا النموذج يواجه تحديات مع النظام والمعارضة.
فامتيازات المؤيدين للفدرالية إنها تحافظ على الوحدة السورية مع منح حكم ذاتي للمناطق، وتعكس تنوع سوريا الإثني والديني (عرب، كرد، سريان…) وإن ذلك لا يمنع الأقاليم من إشراكها في الحكم.
أما تحفظات النظام الشوفيني وبعض جهات المعارضة ذات العلاقات المشبوهة والمصالح الضيقة فإنها ترفض النظام الاتحادي اللامركزي باعتباره يؤدي لتقاسم السلطة وإضعافها، حيث يرى بعضهم أن في ذلك تمييزاً للكرد أو خطوة نحو التقسيم كما يدّعون….!!!!
أما إذا ما تحدثنا عن تعقيدات الواقع فستطالعنا المزيد من الظنون والشكوك في النوايا، وهي غالباً تأتي كنتاج للمؤامرات الدولية والإقليمية التي تحاول خلط “السم بالعسل” عبر” بروبوغندا ” إعلامية تحذر من أن سيطرة “قسد” على مناطق غنية بالنفط مما يزيد من احتمالية انفصالها عن الوطن الأم.. كذلك؛ فإن العلاقات المتوترة مع أنقرة تعقد المشهد أكثر.
الخيار اللامركزي قد يكون وسيلة للوحدة إذا توفرت إرادة سياسية، لكن غياب الثقة بين الأطراف يجعل التنفيذ صعباً دون ضغوط دولية نزيهة وصادقة، ودعم إقليمي للحفاظ على مستقبل سوريا والمنطقة، ولتسهيل مهمة كافة الأطراف المتصارعة على النفوذ والمصالح والهيمنة على منطقة الشرق الأوسط التوقف والنظر ملياً إلى مبادرة السلام التاريخية التي أطلقها المفكر “عبد الله أوجلان” من سجنه في إمرالي … فإنها تحمل معها الكثير من الفائدة لدول العالم والإقليم على قاعدة “رابح ـ رابح ” والكثير من الأمل لشعوب المنطقة، حتى تعيش بأمن وسلام مع بعضها البعض.

قد يهمك