منذ انتصار قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على داعش الإرهابي عام ٢٠١٧ بعد تحرير الرقة ومعارك الباغوز؛ فقد انفرط عقد داعش جغرافياً؛ وتبقى منه أفراد متخفين، يُعرفون بالذئاب المنفردة؛ كل ذئب يقوم بعملية إرهابية حسب اختياره وبدون أن يأخذ أوامر من أحد أحياناً كثيرة؛ ولذلك يظل خطرهم موجوداً طالما الفكر التكفيري موجود.
التكفير السلفي
على أية حال نرى إنه وبسبب انشغال وسائل الإعلام العالمية ووسائل التواصل الافتراضي بالحرب بين إسرائيل وإيران؛ فإن جريمة تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق لم تأخذ حقها من التغطية الإعلامية؛ رغم وقوع عشرات الضحايا والمصابين بدون ذنب فعلوه، سوى إنهم مسيحيون، ولكي نفهم ما حدث وما قد يحدث مستقبلاً في سوريا من قتل وتفجير أماكن عبادة وتجمعات المسيحيين والدروز والعلويين؛ وحتى المسلمين من أهل التصوف.
إن تنظيمات الإرهاب في العالم مثل داعش والقاعدة والإخوان المسلمين وجبهة النصرة وجبهة تحرير الشام وبوكو حرام وأنصار بيت المقدس… كلهم وغيرهم من معتنقي الفكر السلفي الوهابي؛ كلهم يحرّمون الموسيقى والسينما وغيرها ويحرّمون زيارة القبور ويكفّرون الصوفية والشيعة والمسيحيين والدروز وغيرهم؛ وعندهم فتاوى القتل للمسلم وغير المسلم، وكم قتلوا من كتّاب ومفكرين؛ بناءً على فتاوى القتل، حيث قاموا بتفجير كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بمدينة دمشق يوم ٢2 حزيران ٢٠٢٥
وقد شهدت الدولة المصرية على سبيل المثال تفجير وحرق ٨٣ كنيسة خلال فترة حكم جماعة الإخوان المسلمين عام ٢٠١٣، ودامت حتى عام ٢٠١٨ ولم يكتفوا بالكنائس، بل قاموا عام ٢٠١٧ بقتل ٣٠٠ مسلماً أثناء صلاتهم في مسجد الروضة بمدينة بئر العبد بشبه جزيرة سيناء بحجة أنهم صوفية كفار؛ فما حدث في سوريا ربما يتكرر ضد الشيعة أو العلويين أو الدروز أو كل أهل السنة مثلما قتلوا الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، نعم قد يتكرر الإرهاب الدموي، طالما الفكر السلفي باقي والذئاب المنفردة متواجدة.
والغريب إن الجماعات السلفية التي ذكرناها لم تقُم منذ ظهورها المعاصر بأي دور في الحروب ضد الصهيونية أو للدفاع عن المسجد الأقصى؛ وكل إرهابها ضد المسلمين وضد الشعوب التي تعيش في كنف الدول الإسلامية؛ ولهم فتاوى تُبيح طاعة الحكام الذين يتعاونون مع الإمبريالية والاستعمار العالمي؛ مثلما قامت الدولة التركية برئاسة أردوغان بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي وإسرائيل بتدريب الدواعش في الشمال السوري ومساعدتهم في تفكيك سوريا؛ بالشعارات السلفية نفسها؛ رغم إن العلمانية التركية تتناقض كلياً مع المفهوم المتطرف؛ ولكنه فكر التكفير الذي يُعادي المسلمين قبل غيرهم.
الخلفية السلفيّة للحكومة السوريّة الانتقالية
لكل هذا لا نتعجب مما حدث في كنيسة مار إلياس بدمشق رغم سيل الدماء على أرض دار عبادة؛ وبقي أن نعرف أن عدد المسيحيين في سوريا تناقص من مليون ونصف المليون إلى ٣٠٠ ألف خلال العشر سنوات الماضية بسبب الهجرة الإجبارية من النظام السابق وبسبب داعش أيضاً؛ تماماً مثلما حدث من تطهير عرقي للمسيحين والإيزيديين في العراق أثناء تمدد داعش.
وما يزيد الألم هو أن القيادة التي ترأس سوريا حالياً لها ماضٍ سلفي تكفيري؛ مثل باقي المجموعات المتطرفة وربما هم صادقون في تبدلهم وتحولهم وتغيير فكرهم؛ وهو ما يُلقي العبء عليهم لإثبات تطهرهم من دنس السلفية التكفيرية. ونعتقد إن ما يُثبت تحوّلهم النصوح هو الانسلاخ من العباءة التركية؛ ثم إعلان العداء للصهيونية. هذا رأينا صواب يحتمل الخطأ…