بث تجريبي

من هجمات المسيرات إلى قطيعة الجيش مع الإمارات.. إلى أين تتجه الحرب في السودان؟

لا تزال المعارك في السودان مستمرة رغم سيطرة الجيش السوداني على العاصمة الخرطوم، لكنها انتقلت جغرافيًا إلى مناطق جديدة، سواء كمعارك برية في دارفور وكردفان، أو من خلال استخدام الطائرات المسيّرة التي قصفت العديد من المدن السودانية، مما يثير التساؤلات حول مستقبل المشهد السوداني في ظل التصعيد الحالي.

وقد اشتعل الوضع العسكري في مناطق غرب السودان، حيث تتركز السيطرة الميدانية لقوات الدعم السريع بعد انسحابها من الخرطوم وإقليم الجزيرة. وتشتد المعارك بشكل خاص في إقليم دارفور، وخصوصًا في مدينة الفاشر، التي بقيت تحت سيطرة الجيش السوداني. في المقابل، يشهد إقليم كردفان معارك عنيفة بين الطرفين.

وحول سير العمليات من قبل قوات الجيش والقوات التابعة له، صرّح العقيد أحمد حسين مصطفى، المتحدث الرسمي باسم القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، في حديث خاص لموقع "المبادرة"، أن التطورات في مدينة الفاشر تسير بصورة جيدة وهي تحت السيطرة الكاملة، وفقاً له.

ويرى  المتحدث الرسمي باسم القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، أن قوات  الدعم السريع وحلفاءها، بعد هزائمهم المتتالية وعجزهم عن التقدم ميدانيًا، لجأوا إلى قصف المدينة بالمدفعية الثقيلة من خارجها، مستهدفين الأحياء السكنية المكتظة بالمدنيين.

كما أشار إلى أن الدعم السريع استهدف معسكرات النازحين ومراكز الإيواء، واصفًا هذا السلوك بالهمجي والبربري، على حد تعبيره،  مؤكدًا أنه خلّف عددًا من القتلى بين المدنيين. وتوعد أدروب قوات الدعم السريع – التي تنفي اتهامات الجيش لها – بأنه "قريبًا سيتم وضع حد لهذه الأعمال، سواء في مدينة الفاشر أو في دارفور بشكل عام".

نفس الاتهامات وجهها محمد آدم إدريس، القيادي في جيش تحرير السودان - جبهة عبد الواحد محمد النور لقوات الدعم السريع، إذ قال في تصريح خاص لموقع "المبادرة"، إن  دارفور لا تزال تعاني من القتل الممنهج، والجوع المتعمَّد، والحصار، وكل ذلك يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.

واتهم الدعم السريع بالقيام بعملية تهجير مقصود في مخيم زمزم لإفراغه  من النازحين، زاعمًا أن الانتهاكات بالمخيم هي انتقام وقتل بدم بارد لمن يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، في ظل الجوع والمطر والحر والقتل.

المدنيون يدفعون الثمن

وتنفي قوات الدعم السريع كافة الاتهامات التي تطالها من قبل الجيش بشأن ارتكاب جرائم حرب ومجازر، بل وتلقي باللائمة على في المقابل على قوات الجيش.

فيما يدفع المدنيين في  إقليم دارفور فاتورة  الحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع منذ اندلاعها، لا سيما مع انتقال المعارك لغرب السودان، خاصة مخيمات النازحين،  التي كان أحدثها 400 قتيل في مخيم زمزم الشهر الجاري، بينما أدت الهجمات على مخيم أبو شوك إلى سقوط 14 مدني، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

كما صاحبت المعارك العسكرية عمليات نزوح ضخمة،  حيث وصف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، مخيم زمزم للنازحين الذي يبلغ عدد نازحيه نحو 400 ألف شخص، بعد أقل من أسبوعين على سيطرة قوات الدعم السريع بأنه أصبح "شبه خال" بعد انتقال سكانه لمدينة الفاشر والمناطق القريبة.

وحول هذا المشهد، قال شهاب إبراهيم، المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، والقيادي بتنسيقية "تقدم"، في تصريح خاص لموقع "المبادرة"، إن السودان انتقل في الوقت الحالي إلى مرحلة جديدة وصعبة من الحرب، مع وصولها إلى مناطق لم تصلها من قبل، وتغير الأهداف والوسائل العسكرية، حسب قوله.

وأشار إلى أن هذا ما كانوا يحذرون منه كقوى مدنية، وأنهم يسعون جاهدين، من خلال تواصلهم مع قادة الجيش والدعم السريع، إلى الجلوس والحوار لإيقاف الحرب وإنهاء معاناة السودانيين، مشدداً على أن استمرار الحرب ؤدي يوميًا إلى المزيد من الخسائر، وفقدان السودانيين لمكتسباتهم الاقتصادية، وتدهور الخدمات وانعدام الغذاء، حتى في المناطق التي يسيطر عليها الجيش.

ولفت المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير إلى أن هذا الدمار، إلى جانب غياب إرادة الحل التفاوضي لدى جميع الأطراف، ودخول الفاعلين الإقليميين والدوليين في صراع رؤى حول الأزمة، سيؤثر سلبًا في التوصل إلى صيغة موحدة للحل، مؤكداً أنه هنا تبرز أهمية القوى المدنية التي ترفض الحرب ولا تنحاز إلا لرؤية السلام وحماية المدنيين.

وكانت قوات الدعم السريع اتهمت القوة المشتركة للحركات المسلحة بدارفور، بأنها حولت مخيم زمزم إلى قاعدة عسكرية واستخدمت المدنيين دروعا بشرية، مشددة على أنها تحترم كافة المدنيين وليس لديها عداء مع سكان المخيم، وفقاً لها، وهي الاتهامات التي يكذبها الجيش في المقابل.

حرب المسيرات

إشكالية في تطورات الحرب السودانية هي حرب الطائرات المسيّرة، التي اتهمت قوات الدعم السريع بإطلاقها بشكل مكثف، مستهدفة مواقع داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني، بما في ذلك العاصمة المؤقتة بورتسودان، والتي يقدر عددها بأكثر من 30 هجومًا، حيث استهدفت مواقع عسكرية، ومخازن أسلحة، وقواعد جوية، في مدن مهمة مثل بورتسودان، كسلا، عطبرة، وكوستي.

وفي هذا السياق، حذر الناشط السياسي السوداني أنس حسن ، في تصريح لـ"المبادرة"، من "حرب المسيّرات"، قائلاً إنها "تُعد معيقًا للاقتصاد الوطني وخسارة فادحة، لكنها ليست نصرًا ولا نجاحًا لقوات الدعم السريع"، إذ إن تلك القوات باتت يائسة من حكم السودان والسيطرة عليه، وكل ما تقوم به الآن مجرد محاولات يائسة لإثبات بقائها بعد أن فقدت قضيتها المحورية، وفقاً له. ويرى أن قوات الدعم السريع تسعى حاليًا إلى إعلان حكومة موازية في المناطق الخاضعة لسيطرتها (دارفور وأجزاء من كردفان)، إلا أن هذه الخطوة محكوم عليها بالفشل مسبقًا.

مرحلة جديدة

يتفق الصحفي والإعلامي السوداني محمد حلفاوي مع الناشط أنس حسن فيما يتعلق بخطورة حرب المسيرات، إذ يقول في تصريح لـ"المبادرة"، إن الحرب بها "دخلت مرحلة جديدة وخطيرة، تسببت في انهيار سياسة المدن الآمنة التي كانت الحكومة السودانية تحرص عليها.

وأضاف حلفاوي أن المعطيات الحالية تشير إلى أن السودان يسير نحو حرب إقليمية موسعة، متوقعًا أن يتحول الصراع إلى تنافس تركي-إماراتي على الأرض السودانية في الفترة القادمة، وفقاً له.

التصعيد مع الإمارات ..  من الشكوى إلى القطيعة السياسية

وعلى ذكر الإمارات، شهد السودان تصعيدًا دبلوماسيًا حادًا مع دولة الإمارات، وذلك بعد أن تقدمت الحكومة السودانية بشكوى ضدها أمام محكمة العدل الدولية،  وبعد رفض المحكمة للشكوى، قررت السودان قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أبو ظبي.

في المقابل، رفضت  وزارة الخارجية الإماراتية، الاعتراف بقرار قطع العلاقات مع دولة الإمارات، واصفة الحكومة السودانية ببورتسودان بأنها لا تمثل الحكومة الشرعية للسودان ولا تعبّر عن إرادة الشعب السوداني.

ويرى أحمد حسين مصطفى، المتحدث الرسمي باسم القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح أن الحكومة السودانية تستند في الإجراءات ضد الإمارات على "الدعم العسكري الذي قدمته أبو ظبي لقوات الدعم السريع"، على حد تعبيره، مشيرًا إلى وجود أسلحة وذخائر إماراتية استولت عليها القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح في قلب الصحراء، إلى جانب الأسلحة التي غنمتها القوات المسلحة بعد تحرير جبل موية، والطائرات المسيّرة الإماراتية التي استهدفت البنية التحتية ومنشآت الدولة، زاعمًأ أنها أدلة تثبت تورط أبو ظبي في الحرب الحالية، وغيرها من الاتهامات التي وجهها إلى الجانب الإماراتي، فيما يؤكد الأخير دائماً رفضه لكافة الاتهامات التي يعلنها الجيش السوداني.

أما  شهاب إبراهيم، المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، فيرى أن إعلان قطع العلاقات محاولة من قبل من وصفها بـ"حكومة الأمر الواقع في بورتسودان" لتصوير الحرب وكأنها حرب دولية، ما اعتبره محاولة للتهرب من مسؤوليتها في حماية السودانيين ووقف الحرب، على حد زعمه.

واتهم إبراهيم الحكومة الحالية التابعة للجيش، بأنها مختطفة القرار من قبل جماعة الإخوان المسلمين في السودان (الحركة الإسلامية)، وبالتالي لا يمكنها اتخاذ قرارات حقيقية تنقذ البلاد.

وأشار إبراهيم إلى أن الأولى بهذه الحكومة أن تسعى لحل الأزمة، لأن استمرار الحرب يؤدي إلى تعقيدها وتحويلها إلى حرب أهلية، ويفتح الباب أمام مشاريع تقسيم السودان.

وأضاف أن تصعيد الأزمة سيؤثر سلبًا على أوضاع دول الجوار، ويشكّل تهديدًا إقليميًا حقيقيًا، خاصة مع بروز جماعات أكثر تطرفًا من التي تقاتل حاليًا إلى جانب الجيش.

قد يهمك